التلاسن بين أحد أعضاء الوفد الإعلامي السعودي وضابط الأمن المصري على باب قاعة الاجتماعات في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة أفضل تعبير عن الحال التي آلت اليها هذه المؤسسة العربية. أصر السعودي على دخول القاعة بعد إخراج الإعلاميين وتحويل الجلسة الى مغلقة، وصرخ في وجه الضابط الذي ردّ برفع صوته قائلاً: "بلاش التعالي في الكلام". لكن، خلف الباب المزخرف، باستثناء لبنان، لم يجرؤ أحد على رفع صوت الاعتراض في وجه عادل الجبير وعبدالله بن زايد.
مصادر دبلوماسية عربية قالت لـ"الأخبار" إن الجامعة "باتت جامعة دول الخليج بامتياز. وباتت البحرين والإمارات، لا مصر والجزائر، هما من تمليان على الجميع مواقفهما". فباستثناء الاعتراض اللبناني، ودعوة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الى تحكيم العقل، ومداخلة وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري التي دعا فيها الى الخروج من عقلية المؤامرة وإشارته الى إجراءات عقابية اتخذتها طهران ضد مسؤولين إيرانيين بعد الهجوم على السفارة السعودية، كان الخضوع تاماً للمنطق الخليجي، الى درجة زايد فيها وزيرا خارجية مصر والأردن على الخليجيين في انتقاد "استفزازات إيران وتدخلها في شؤون الدول العربية".
الجبير هاجم حزب الله وذكّر بـ"تورّطه" في تفجيرَي السفارة الأميركية ومقر المارينز في بيروت

المصادر الدبلوماسية روت لـ"الأخبار" الوقائع التي سبقت انعقاد الاجتماع الطارئ أمس، وتلك التي رافقته. أكّدت أن النيّة السعودية، لدى توجيه الدعوة، كانت أساساً جرّ الدول العربية الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران ومقاطعتها وإلى إجراءات ضد حزب الله. لكن اتصالات عربية واسعة، قادها أساساً العراق ولبنان، وتدخلاً أميركياً وأوروبياً خشية انفلات الأوضاع في الإقليم مذهبياً في حال اتخاذ إجراءات كهذه، أدت الى "خفض" السقف السعودي الى ما خرج به المؤتمر. وفي المحصلة، كان جميع الحاضرين تحت السقف السعودي سلفاً، ما عدا العراق (قبل مفاجأة الجعفري بإسقاط تحفظاته) الذي كان رافضاً تحميل الحكومة الإيرانية أي مسؤولية مباشرة عن الاعتداء على السفارة، ولبنان الذي حدّد موقفه ضمن رفض الاعتداء على البعثات الدبلوماسية ورفض التدخل في شؤون الدول الأخرى ورفض ربط حزب الله بالإرهاب.
بعد الكلمتين العلنيتين لرئيس الجلسة، وزير الخارجية الإماراتي، ووزير الخارجية السعودي، بدأت المداخلات بعيداً عن الإعلام. وعلمت "الأخبار" أن محاولة خليجية جرت للاستعجال في توزيع البيان، قبل أن يبلغ لبنان الأمانة العامة اعتراضه، إضافة الى تحفظات تحدث عنها وزير الخارجية العراقي الذي التقى نظيره اللبناني جبران باسيل قبل الجلسة. ورغم أن أجواء الوفد العراقي كانت تشير الى أنه لن يقبل تحميل مسؤولية الهجوم على سفارة السعودية وقنصليتها في طهران ومشهد للحكومة الإيرانية، أعلن الجعفري إسقاط كل التحفظات "حفاظاً على الإجماع العربي"، علماً بأنه دعا في مداخلته الى معالجة الأمور بالحكمة، مخاطباً الوزراء الحاضرين بالقول: "سجون العراق تعج بالإرهابيين من دولكم، فهل تريدون أن نحمّلكم مسؤولية أفعال هؤلاء؟".
ردّ الجبير في مداخلة، لافتاً الى أن إيران "تعتبر نفسها معنية بكل شيعي في العالم، فيما لا نتعامل نحن مع السنّة بهذه الطريقة"، مشيراً إلى "إعدامات للسنة في الأهواز وقمع تظاهراتهم". كما هاجم حزب الله واعتبره "وديعة إيرانية"، مذكّراً بـ"أعماله الإرهابية" كتفجير مقر السفارة الأميركية ومقر قوات المارينز في بيروت عام 1983، وصولاً الى "تورطه" في الحرب في سوريا ومع "الخلية الإرهابية" التي أعلنت البحرين اكتشافها أخيراً. وفي السياق نفسه، شنّ وزيرا خارجية الإمارات والبحرين هجوماً على الحزب، وسط تضامن تام من غالبية الوزراء الحاضرين.
بعدها، تحدث باسيل عن ضرورة الالتزام بشرعة حقوق الإنسان لناحية حرية التعبير وبميثاق جامعة الدول العربية الذي ينص على أن تحترم كل دولة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وألا تقوم بعمل يرمي الى تغيير النظام فيها"، متسائلاً: "من منّا يلتزم بذلك؟". وأعلن أن لبنان يسجّل امتناعه عن الموافقة على القرار "لأنه لا ينسجم مع سياسة الحكومة اللبنانية في النأي بالنفس عن التدخل في شؤون الدول الأخرى"، فيما سجّل اعتراضه على مشروع البيان لذكره حزب الله. عندها، نمّت إشارة عن الجبير تفيد بالموافقة على سحب الإشارة الى الحزب، وهو ما فسرته مصادر دبلوماسية بأنه "سعي سعودي لصدور القرار من دون اعتراض". إلا أن وزير الخارجية البحريني طلب الكلام، فاعترض على إشارة "الأخ جبران" الى عدم احترام حقوق الإنسان "وكأنه يعنينا بذلك"، واعتبر أنه لا لزوم للبيان إذا سحبت الإشارة الى حزب الله.
وحصل نقاش بين باسيل وبن زايد الذي سأل عن معنى الامتناع في شأن القرار والرفض في ما يتعلق بالبيان. وقال: هل تعترضون على فقرة معينة في القرار؟ فردّ باسيل: "الدعوة جاءت على أساس البحث في الاعتداء على السفارة، ولا يفترض تحميل الامور اكثر مما تحتمل. لدينا ملاحظات كثيرة، وإذا أردتم مناقشتها تفصيلياً فنحن مستعدون. لا نريد تخريب الإجماع، ولكن لا نريد في الوقت نفسه أن نثير مشكلة داخلية. وحتى لو أزلتم الإشارة الى الحزب من البيان سنلغي الاعتراض، ولكننا لن نوافق وسنمتنع".
في السياق، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد جمال لـ"الأخبار" أن "العراق تحفّظ على البند الذي يربط حزب الله بالإرهاب، ضمن بنود عدة وتم تقديم ذلك تحريرياً إلى الجامعة العربية". وأوضح جمال أنه "رغبة من العراق بعدم الوقوف أمام الإجماع العربي، فإنه شاطر الدول العربية قرار إدانة الانتهاكات التي تعرضت لها البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، من قبل بعض العناصر المغرضة".
بدوره، صرّح إبراهيم الجعفري "اختلفنا على نقطة أساسية، وهي أن هناك إدانة للحكومة الإيرانية، ونحن لا نريد أن ينسحب فعل مجموعة هاجمت السفارة على الدولة"، مؤكداً "أننا لا نقبل بإدانة إيران، بل إدانة المرتكبين، وخصوصاً أن طهران قامت بخطوات مهمة؛ ضمنها فصل أحد المسؤولين لتقصيره". وأكد الجعفري أنه "عند التصويت أبدينا ملاحظاتنا وتحفظاتنا وقمنا بتسجيل ورقة مدوّنة ودفعناها إلى الإدارة"، مضيفاً أنه "تمّ التحفظ وإبداء ملاحظات على نقاط كثيرة جداً، لكننا لا نخرج عن الإجماع العربي".
إلا أن اللافت أن النص الرسمي الذي وزّعته الجامعة بعد انتهاء أعمال المؤتمر لم يشر إلا الى اعتراض لبنان على البيان وامتناعه عن الموافقة على القرار!