أقحم رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسه مباشرة في السجال السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، وكذلك في الخلاف القائم مع المسكيك، بعدما أثنى على قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بناء جدار فاصل على طول الحدود مع المكسيك. حرص نتنياهو على أن يكون موقفه باللغة الإنكليزية على حسابه في «تويتر»، وهو بذلك هدف إلى تعمد تظهير التقارب في التفكير مع ترامب، وكونهما يلتقيان في الرؤية والمنهج لمواجهة التحديات، خاصة أن الأخير سبق أن عبّر في نهاية الأسبوع الماضي، في مقابلة مع شبكة «فوكس»، أنه استمد فكرته في بناء الجدار من إسرائيل.
من هنا، جاء تعمد نتنياهو التذكير بمفاعيل قرار بناء جدار على طول الحدود مع سيناء، «الذي ساهم في منع التسلل والهجرة غير الشرعية، حيث حقق الجدار نجاحاً باهراً وفكرته ممتازة»، كما حاول التباهي بكون الولايات المتحدة تقلد إسرائيل في مواجهة التحديات المشابهة. ومع أنه اكتفى بالمقارنة مع جدار سيناء، فإنه ضمنا يحاول التسويق لشرعية الأداء الإسرائيلي في مواجهة ما هو أخطر من تسلل المهاجرين «غير الشرعيين». خاصة أن إسرائيل بنت جدار فصل عنصري تجاوز دوره البعد الأمني في ظل أنه ساهم في قضم المزيد من الأراضي الفلسطيني وزيادة معاناة أهالي الضفة المحتلة.
ولا يبعد أن يكون نتنياهو هدف أيضاً إلى التعبير عن دعمه لترامب في ظل ما يواجهه من تحديات داخلية، وحضر هذا البعد في رد السفير الأميركي السابق في تل أبيب، دان شابيرو، الذي أنهى مهامه قبل نحو عشرة أيام. حينما رأى أن هذا الموقف يمس الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وأكد شابيرو أن التحديات التي تواجه إسرائيل على طول الحدود مع سيناء مغايرة تماماً وتختلف عن تلك التي ما بين المكسيك والولايات المتحدة، وحلها ليس ببناء جدار. كذلك ألمح إلى أبعاد أخرى تتصل بموقف نتنياهو. خاصة أنه قد يكون قال ما قاله مقابل حصوله على دعم من ترامب.
وتساءل شابيرو عما يسعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي: هل يهدف إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران؟ أو تسريع نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟ أو الحصول على دعم في كل ما يتعلق بالبناء الاستيطاني؟. ورجح السفير السابق أن يكون هذا الموقف أتى كنتيجة لضغوط يمارسها ترامب على نتنياهو، فيما يسعى الأخير بهذه الكلمات الداعمة والمشيدة بترامب إلى احتواء وتجاوز الضغوط.

أجّل ترامب نقل السفارة الأميركية بناءً على طلب تل أبيب


في المقابل، أدى موقف نتنياهو إلى ردود فعل مكسيكية، إذ وجّه مسؤولون كبار في وزارة الخارجية المكسيكية احتجاجاً دبلوماسياً شديد اللهجة إلى السفير الإسرائيلي لدى مكسيكو، يوني بيلد. جراء ذلك، حاول مكتب نتنياهو ووزارة الخارجية احتواء مفاعيل الغضب المكسيكي عبر بيان توضيحي جاء فيه أن «رئيس الحكومة تطرق إلى الظروف الخاصة بإسرائيل وإلى التجربة المهمة التي اكتسبناها، والتي نحن على استعداد لتقاسمها مع أمم العالم... هذا لا يعني الإعراب عن موقف بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك». رغم ذلك، اتسعت ردود الفعل لتشمل زعماء الجاليات اليهودية في أميركا الشمالية والجنوبية، الذين تساؤلوا: «لماذا يدس نتنياهو أنفه في شؤون لا تمت إليه بصلة ويورط إسرائيل؟».
أما على صعيد قضية نقل السفارة، فأكد نتنياهو أن «موقفنا كان دائماً... يجب على السفارة الأميركية أن تكون هنا في القدس»، مضيفاً: «ليس فقط على السفارة الأميركية أن تكون هنا، بل يجب على جميع السفارات أن تنتقل إلى هنا، وأؤمن بأنه مع مرور الزمن معظم السفارات ستنتقل إلى القدس».
في هذا السياق، أكد مسؤول فرع الحزب الجمهوري الأميركي في إسرائيل، مارك تسيل، لصحيفة «هآرتس» أن التأخير في صدور قرار أميركي بشأن نقل السفارة «جاء بناءً على طلب إسرائيلي»، مشدداً على أن «ترامب يدعم نقل السفارة بشكل قاطع، ولم يطرأ أي تغيير على موقفه. لكنه يحذَر بسبب المخاوف التي طرحتها جهات إسرائيلية مسؤولة». واستدرك تسيل، الذي قاد حملة ترامب الانتخابية بين اليهود الإسرائيليين ممن يحملون الجنسية الأميركية، بأنه متأكد من أن نقل السفارة سيحصل في نهاية الأمر.
كذلك، لفت إلى أن الرئيس الأميركي أوضح «في أكثر من مرة أن إدارته ستحترم رغبة الحكومة والشعب الإسرائيلي في المسائل المتعلقة بدولة إسرائيل عامة، وبالقدس خاصة»، وتابع: «لا يوجد دليل أفضل على ذلك من عدم الرد التاريخي على الإعلان الإسرائيلي في الأسبوع الماضي بناء 2500 وحدة إسكان في يهودا والسامرة (الضفة المحتلة)... أعتقد أن إسرائيل ستمنح الضوء الأخضر لنقل السفارة، وعندما يحصل ذلك، ستنتقل السفارة إلى القدس».
وكان ترامب قد قال لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية، أول من أمس، إنه «لا يزال من المبكر الحديث عن نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس»، مشيراً إلى أنه ليس معنياً بالحديث عن الموضوع في الوقت الحالي.