رحم الله ال قائل: «وخير جليس في الأنام كتاب»، أو ذاك الذي نظم الشعر بالكتب فجعلها عماد البيوت. رحم الله هؤلاء، إذ إنهم لم يشهدوا عصر السرعة، حين لم يعد لأحد الوقت الكافي لـ«فلفشة» صفحات كتاب غير ذاك المفروض عليه من قبل الأستاذ . أتعلمون لم؟ لأن بنظر هؤلاء «الكتاب صار موضة قديمة». هكذا قال لنا أحدهم في إجابة عن سؤال استفتاء صغير وسريع طرحناه على العابرين. سؤال عن « آخر مرة أمسكت فيها بكتاب بهدف المطالعة؟».
أطرف الإجابات أتت من الأكبر سناً، ومنها مثلاً إجابة الرجل الستيني الذي بادرنا بالقول: «ليه فيه واحد بهالبلد بيقرا أو بيتثقف؟ ما بتمسك الكتاب من ميلة حتى يدق الجرس بدّن فاتورة الكهربا، أو جارك بدو يضهر وإنت مسكّر عليه بسيارتك. ليه شو الوضع الأمني كمان بيسمح؟ عن شو بدي اقرا؟ كيف تفكك عبوة ناسفة؟ أو كم شهيد للجيش صار فيه؟ روحي، هاي القراية للفاضيين». العجوز الآخر، الذي يبلغ من العمر عتياً، قال لنا ممازحاً : «أنا المدرسة ما بعرف كيف خلصتها، بدك اياني افتح كتاب؟». ينظر ضاحكاً إلى صديقه الجالس بجواره سائلاً : «قديه إلنا خالصين مدرسة؟ 40 سنة؟ 45 سنة؟ إيه إلي 45 سنة ما فاتح كتاب».

لكنّ أبناء ذلك الجيل ليسوا سواسية كالمشط، فـ 41 % من الإجابات أوضحت أنه لم يمض أكثر من 6 أشهر على آخر كتاب قرأوه، فيما 22 % منهم لم يقرأ وا كتاباً منذ ثلاثة أ سابيع . يعلّل أحدهم ا لأسباب بثلاثة : ضيق الوقت ، وجود الهواتف الذكية، وإضافة إلى الإنترنت الذي اختزل معلومات المكتبات وجعلها رهن إشارتنا بكبسة زر.
لعل ما يلفت هو أن أبناء الجيل الأصغر سناً، حين كنا نسألهم : متى كانت آخر مرة قرأتم فيها كتاباً؟ يجيبون بخجل يخفي شعوراً بالتقصير. فيقول أحدهم: «إلي شي فترة طويلة مش حامل كتاب، طب ما هلق بتقدري تحضري فيلم تستفيدي منو أكتر من الكتاب!». أو أن يرشقك آخر بالقول: «كتاب لشو، خلّص دروسي بالأول برجع بطالع». أو ثالث : «مش وقتا المطالعة، بس يصير عندي وقت بفكر». لكن، مع ذلك، ثمة ما هو مبشر، إذ إن 75% أ جابوا بأ نه لم يمضِ على قراءتهم كتاباً أكثر من ستة أ شهر، و38% منهم منذ أقل من ثلاثة أسابيع، بمقابل 17% لم يفتحوا كتاباً منذ أكثر من سنتين .
أما «جندرياً»، فيمكن القول إن الإناث يقرأن أكثر من الذكور، ودائماً بحسب العينة. إذ إن 0% من الإناث لم يمضِ على قراءتهن آخر كتاب ستة أشهر، مقابل 24 % لدى الذكور. عند أحد «الخضرجية» في شارع بربور، برر أحدهم القول بأن الإناث لا يعملن ولديهن الوقت الكافي في المنزل للقراءة. لكن سرعان ما تأتيه الإجابة من سيدة تشتري من محله : «وين معنا وقت؟ّ مين بيجلي وبيشطف وبيعمل أكل وبيهتم بالأولاد؟ إنتو بترجعو من شغلكن وبتتمددوا معكن وقت، نحنا دوامنا الوظيفي 24\24».
الخلاصة: من قرأ كتاباً البارحة؟ ربما كان الأمر يحتاج لاستفتاء ضخم.
ويبقى أنه لو اخترعوا للكتب ميزة «آخر ظهور»، كتلك التي في الواتساب، لغطّاها الغبار. وفي النهاية، لا يسعني سوى القول: رحم الله أرسطو.



ع السريع



شمل الإستفتاء المصغّر عينة من 127 شخصاً، موزعين ما بين 51 ذكراً و76 أنثى. ولأنها عينة صغيرة جداً، حصرنا سؤالنا بفئتين عمريتين: من عمر 15 إلى 35 سنة، ومن عمر 50 إلى 60 سنة. وقد تقصدنا ذلك، للتفريق بين جيلين عاشا ظروفاً أمنية واجتماعية واقتصادية مختلفة . يُذكَر أننا حاولنا شمل كافة الطوائف اللبنانية والطبقات الاجتماعية والاقتصادية، علماً بأنه لا يمكن لتلك العينة أن تكون انعكاساً تاماً للواقع، لكنها بلا شك مرآة لجزء منه.