قديماً قيل «إذا ما في طير، ما في خير». فوجود الطيور كان يستخدم كمؤشر عند البدو لاختيار الأماكن للانتقال والعيش والاستقرار، فإذا وجد الطير وجد الخير. لم تعد الطيور البرية مصدراً أساسياً للغذاء منذ زمن بعيد. لم يعد صيد الطيور من ضرورات البقاء منذ أن عرف الإنسان الزراعة. لم يعد صيد الطيور «هواية» بعد الخلل الكبير في التوازن بين التقدم التقني في استخدام أدوات وأسلحة الصيد الذي تجاوز قدرة الطيور على حماية نفسها، مما يؤدي (وسيؤدي) حتماً إلى انقراضها جميعاً… بالرغم من ذلك، ما زال البعض في لبنان والعالم، يتحدث عن «هواية» الصيد وعن «مواسم» الصيد وعن «تنظيم» الصيد…! في حين أن المطلوب التشدد في تطبيق قرار منع الصيد الكلي حتى تتم إعادة تعديل قانون الصيد البري باتجاهات أكثر تشدداً، ولحين إنتاج ثقافة جديدة تساهم في تحوير الهوايات، فننتقل من هواية الصيد إلى هواية المراقبة والتصوير، كما يدعونا كتاب «دليل لـ200 طائر في لبنان» الذي سيصدر قريباً عن جمعية حماية الطبيعة في لبنان، ترجمة وإشراف أسعد وجمانة سرحال

تتواجد الطيور في كل مكان ... في البلدات، الحقول، على الجبال، عند البحر وفي الفضاء. إنها من أجمل المخلوقات التي ليس لها حدود. لدى بعضها القدرة على التحليق والهجرة أحياناً لآلاف الكيلومترات في رحلات طويلة.

بينما لبعضها الآخر (الدعويقة) القدرة على الدخول في أضيق الأماكن والعيش من أقل شيء متوفر في الطبيعة. في لبنان، لم نصل بعد إلى مرحلة، بات يتوجب علينا أن نزور حديقة حيوانات أو محمية طبيعية لنراها، إلا أننا لم نعد بعيدين لكي نصل إلى هذه المرحلة إذا استمرينا في متابعة النهج التدميري وغير المسؤول للطيور ومواطنها الذي نسير فيه. قدّر للبنان أن تشكل طبيعته ومناخه مواطن مختلفة ومناخاً متنوعاً لعيش ومرور العديد من أنواع الطيور التي نعرفها والتي لا نعرفها… فماذا فعلنا للحفاظ على هذه المقدرات الطبيعية؟!

لبنان على خط الهجرة

يعرف علماء الطيور أن لبنان يقع على خط هجرة الطيور. فالطيور تمرّ في هذا البلد مرتين في السنة وهي في طريق هجرتها ما بين أفريقيا وأوروبا وخلال عودتها. وهي تأتي بأشكال وأحجام وألوان مختلفة، ولكل نوع منها تغريداته ولغته الخاصة. والعديد من هذه الطيور يبدّل لون ريشه الذي يصبح أزهى في الربيع ومختلفاً عما هو عليه في فصل الخريف وفي بلدان كثيرة.
من حركة الطيور المهاجرة كان يمكن استشراف قدوم الربيع. فعندما تمر أسراب اللقالق البيضاء في أواخر أيار تُنبئ بحلول الربيع. في حين أنه في روسيا تكون عودة الزرزور في مثل هذا الوقت. أما في المملكة المتحدة فالسنونو هي التي تحدد قدوم الربيع.

مرشدو الطبيعة

تعود الدراسة العلمية للطيور إلى قرون سابقة، حتى إلى القرن الثامن عشر، حيث كان الناس يراقبون الطيور من أجل المتعة، وهي هواية كبرت يوماً بعد يوم، والآن فإن العديد من مراقبي الطيور يزورون بلداناً أخرى للاستمتاع بمشاهدتها وأحياناً من أجل التقاط صور لأنواع مختلفة منها. إن معظم مراقبي الطيور يحتفظون بلوائح بأسماء الطيور التي شاهدوها محلياً في بلادهم وفي أماكن تتخطى الحقول. في أيامنا هذه فإن البعض يتنافسون مع الآخرين مثلاً ليبرهنوا على أنهم شاهدوا أعداداً كبيرة من الطيور المختلفة!
بحسب الكتاب- الدليل، كل بلد في العالم (تقريباً) يمتلك مرشدين للطبيعة مهمتهم أن يرشدوا الزوار ليروا الطيور الخاصة بموطنهم. وفي البلدان التي يتم فيها صيد الطيور بلا رحمة، فإن ظاهرة التنامي في مراقبة الطيور والوعي البيئي قد أدّيا إلى تقليص اتجاهات القتل الجائر للطيور. والناس قد درجوا على تقدير حرية هذه الطيور وجمال منظرها والتي تعيش حياةً مدهشة. من هنا تاتي أهمية هذا الكتاب البسيط لخلق اتجاهات مماثلة لدى الناس في لبنان، لا سيما «الصيادين» منهم.

الكتاب - الدليل

يعتبر كتاب «دليل لـ200 طير شائع في لبنان» فريداً من نوعه وهدفه في المنطقة العربية، إذ يروّج لإنضاج متعة مراقبة الطيور في لبنان من دون إغراق القارئ في الكثير من المعلومات. فمعظم الكتب المتخصصة بالطيور لمنطقة معينة تعرض كل الأنواع على الرغم من ندرة رؤيتها، أما هذا الكتاب فيعتبر دليلاً لطيور يمكن أن نراها (لتصويرها بدل صيدها) وهو يساعد في وصفها والتعرف إليها وإلى أماكن تواجدها وفي أي أوقات من السنة.

تهاجر الطيور
بسبب تدنّي درجات الحرارة
ونقص الحشرات


لقد تمت مشاهدة حوالى 400 نوع من الطيور في لبنان، ولكن العديد منها قد شوهد لمراتٍ قليلة وبشكل غير منتظم. لذلك هو يركز على 200 نوع منها التي تُشاهد عادةً. والهدف منه هو زيادة التعرف إليها وتطوير مهارات مراقبة الطيور.
إلا أن هذا الكتاب لا يغني عن ضرورة وجود دراسات ميدانية أكثر عمقاً عن حياة الطيور وطرق عيشها وما يهددها وما المطلوب لحمايتها، على وزارة البيئة أن تهتم بها بالإضافة إلى دراسات عن أنظمة التنوع البيولوجي عندنا (نعود إليها لاحقاً).

وصف الطيور

إن معظم الكتب التي تُعنى بتعريف الطيور قد تبدو مُعقدة بشكل كبير في استعمالها للغة العلمية وللعدد الضخم لأنواعها المتضمنة في هذه الكتب والطريقة التي يتمّ ترتيبها فيها، أما في هذا الكتاب فاللغة واضحة وواصفة، تصنّف أنواع الطيور بشكل سلس ومريح. فكل نوع له تسميته اللاتينية كما تسميته العادية. ويحال القارئ في بعض الأماكن إلى مواقع على الإنترنت مثل (websites) و(Smartphone) حيث فيها تسجيلات لتغاريد الطيور ونداءاتها التي تفيده إن كان قد شاهد طيراً يُنادي أو يُغرّد.

تقنيات المراقبة

على الرغم من أنه في بعض الأوقات تُشاهد بسهولة أسراب هائلة من الطيور في لبنان فإن المنظار هو الأداة المفيدة التي يمكن أن تساعد في مشاهدة هذه الطيور عن قرب من دون إزعاجها أو إخافتها. وقد انخفضت أسعار هذه المناظير في السنوات الأخيرة، فمشاهدة الطيور بمنظار يكبّر الصورة 7 أو 8 مرات لهو بالأمر المهم.
يتضمن الكتاب بعض الإرشادات للمراقبين: منها اقتناء مناظير غير ثقيلة يمكن حملها حول الرقبة لساعات قليلة، مع نصيحة بعدم شراء مناظير بزجاجات ملونة لأن الطيور قد لا تبدو بألوانها الطبيعية. وإن الطيور خجولة ويجب الحرص على عدم إحداث ضجّة أو حركات مفاجئة عند مراقبتها. وضرورة الاستعانة بدفتر ملاحظات عندما نكون في الحقل، لكي يتم تدوين الملاحظات حول حجم هذه الطيور، شكل مناقيرها، ألوانها وتصرفاتها وما إلى ذلك وحتى رسوم لها وأيضاً… للتفريق بين الأنواع المماثلة، ويمكن أن تتحول هذه الملاحظات مع الوقت إلى دليل جديد للطيور يمكن أن يصدر في كتب توثيقية مهمة.
متى تشاهد الطيور؟
بما أنها مخلوقات برية حرة، فالطيور لا يمكن دائماً التنبؤ بوجودها. فكل مراقب للطيور قد يصادف أياماً قد تكون خلالها الطيور مختبئة.
في الكتاب يرافق كل وصف لنوع طير رمز يشير إلى أوقات من السنة حيث تُشاهد أنواع هذه الطيور في لبنان حسب التسلسل الزمني: الربيع، الصيف، الخريف والشتاء. الحروف الكبيرة تشير إلى أن الطير يتواجد في الموسم بشكل عادي. والأحرف الأصغر تعني أنه يتواجد بنسبة أقل. وتختلف الحالات بين طيور مقيمة طيلة السنة وأخرى مهاجرة عبر لبنان، وأخرى مهاجرة إلى لبنان للتزاوج في الربيع أو لقضاء فصل الشتاء...الخ
على سبيل المثال فإن خطاف البحر الملتحي يصنف من بين أنواع الطيور التي تهاجر للتزاوج صيفاً أحياناً، بينما الخضاري يمضي الشتاء في البلد.

إلى أين تهاجر الطيور ولماذا؟

يقع لبنان على «خط الهجرة العظيم»، ولكن إلى أين تتجه كل هذه الطيور ولماذا؟
إن مشهد الهجرة في الخريف يتكون في معظمه من الطيور المولودة في أوروبا وشمالي آسيا والتي تتجه نحو مواقع شتوية في أفريقيا والساحل العربي.
إذا لم لا توفر هذه الطيور كل طاقاتها وتقلّص من نسبة الخطر ببقائها في موطنها على مدار السنة؟ السبب الرئيسي، بحسب خبراء الطيور هو النقص في الطعام في بلدها الأم. ففي الشمال البعيد، فإن الثلوج والجليد قد يُعيقان الطريق للوصول إلى الطعام.
في معظم مناطق باقي أوروبا تتوقف النباتات عن النمو ودرجات الحرارة المتدنية تقضي على الحشرات. فالطيور تتحرك باتجاه الجنوب نحو خط الاستواء أو باتجاه نصف الكرة الأرضية الجنوبي للحصول على الطعام.
ولكن لِمَ لا تبقى هذه الطيور في أفريقيا أو في البلدان العربية كل السنة حيث الدفء وتوفّر الطعام لمدة 12 شهراً في السنة؟
جواب علماء الطيور ومراقبي حركتها وطرق عيشها، أنه كلما سافرت بعيداً نحو الشمال براً سترى أن ساعات ضوء النهار تزداد صيفاً، وهذا ما يسهّل التزاوج ورعاية صغار الطير.
فالطيور التي تبني أعشاشها في مناطق واقعة باتجاه أو داخل الدائرة الأركتيكيَّة قد تحصل على طعام لصغارها في فترة 24 ساعة من ضوء النهّار، مما يعني أن صغار الطير تنمو بسرعة أكبر وتستطيع التحليق في وقت مبكر، وهذا أمر لا يتوفر بسهولة إن هي ولدت في مناطق باردة. كما قد يحدث تنافس على الطعام مع أنواع طيور مقيمة في تلك البقعة قد بنت أعشاشها، في حال بقيت هذه الطيور في الجنوب.

تهديد الطيور

تواجه الطيور تهديدات عدة... والطيور المهاجرة منها هي الأكثر تأثراً.
من التهديدات الرئيسية، خسارة أو تخريب الموطن المناسب لها حيث الغذاء والاستقرار. وكل ذلك يحصل بسبب الأعمال الزراعية المكثفة، وتقطيع أشجار الغابات لأهداف تجارية، والتطور المدني مع ما يستتبعه من شق طرقات وإنشاء البنيان وزيادة مساحات الباطون والاسفلت، وجفاف الأراضي الرطبة.
وفي بعض البلدان من ضمنها لبنان، فإن الصيد الجائر والأفخاخ وتهديدات أخرى كثيرة... تتسبب بانخفاض في أعداد الطيور. بالإضافة إلى حوادث الاصطدام بالمباني الشاهقة نظراً إلى الأضواء التي تترك مضاءة ليلاً، أو الأسطح الزجاجية والإنشاءات التي تصنعها يد الإنسان كتوربينات الريح وأسلاك الكهرباء... التي تشكل جميعها تهديدات جدية لحياة الطيور. وطبعاً هناك تلوث الأنهار والتربة بسبب الاستعمال الجائر لمبيدات الحشرات والكيميائيات وتراكم النفايات الأخرى التي لها تأثير مدمِّر لحياة الطير ولأشكال أخرى من الحياة من ضمنها الإنسان. يجب أن تُبذل الجهود لتنظيف مجاري الأنهر كنهر الليطاني ومعايير أخرى كمسألة التخلص من النفايات.

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]




الوروار (الأوروبي)


يعد طائر الوروار من أجمل الطيور التي تزور لبنان. يهاجر عابراً البلاد برمتها من نيسان حتى حزيران للمرة الأولى ومن آب حتى أول تشرين الثاني في المرة الثانية. غالباً ما يسمع صوته قبل أن نراه لأن الطيور المحلقة عالياً تنادي بعضها بعض بألفاظ وأصوات معينة التي تكررها على فترات متقطعة. له ريش مذهل ورقبة صفراء اللون، أما الجزء السفلي من جسمه فهو مغطى باللون الأزرق. صدره بني- كستنائي وظهره أسود. وله منقار معقوف مناسب لالتقاط الحشرات الكبيرة نسبياً، والتي يعتاش منها.




السنونو احمر العجز


يكون هذا الطائر عادة بنفس حجم السنونو المعروف مع لون باهت على الرأس وعلى الرقبة والأجزاء السفلى من جسمه، ويغطي منطقة ما تحت الذيل لون أسود. أما الذيل فهو مستدق الرأس ولامع. في حين أن ظهره وأعلى جناحيه يكسوهما لون بني يميل إلى الأسود. وكما يستدل من اسمه، الإنكليزي فهو يتميز بردف برتقالي - أحمر باهت وهذا ما يدعو المراقب من النظرة الأولى إلى التفكير بخطاف الضواحي الذي يمتلك ذيل السنونو. يمر عبر المنطقة في الربيع والخريف ويعتقد بأنه يقوم بالتفقيس بأعداد صغيرة في وديان الأنهار.




آكلة الحشرات وموفرة للمبيدات

قديماً قيل «يلي ما بيروح منه ما بيبرك» أي إذا لم يأكل العصفور القليل من ثمار البستان، كتحلية، مع أكله الرئيسي من الحشرات والديدان الضارة، فإن البستان لا يسلم ولا يبرك (لا ينتج بشكل جيد).
يمكن لطائر واحد أن يأكل عشرات الحشرات يومياً، فيحافظ على التوازن الإيكولوجي ويوفر الكثير من المبيدات التي تقتله بدل أن تقتل الآفات الزراعية.
لإعادة التوازن بين زيادة أعداد الصيادين وتطور تقنيات القتل وإمكانيات الحماية الذاتية المتواضعة للطيور التي لم تتطور، يفترض إعادة النظر بقانون الصيد المعدل عام 2004، وإضافة الفقرات التي حذفت منه في الهيئة العامة أثناء إقراره، لا سيما تلك التي تمنع الإتجار بالطيور حية أو ميتة أو تلك التي تسمح بالصيد ولكن بالطرق البدائية كقوس النشاب والنقيفة.
وإذ لا دراسات حقيقية ترصد أعداد الطيور المنقرضة في لبنان في السنوات الأخيرة والتي يشير بعضها إلى فقدان نصف الأنواع، يفترض التشدد في تطبيق قرار المنع الكلي للصيد البري لحين إعادة النظر بالقانون وليس لحين إنجاز المراسيم التنظيمية التي ينتظرها تجار أسلحة الصيد وذخيرتها وبعض المهووسين بالقتل.




كيف تعرف الطيور وقت وطريق هجرتها؟




تشعر الطيور الراشدة بتغير في ساعات ضوء النهار في أماكنها الشتوية ويحصل تغير في هورمونات أجسامها فتبدأ بتخزين الدهون حول أجسامها... هذا الأمر الذي يحثّها على الهجرة.
بعض أنواع الطيور تهاجر فتقطع آلاف الكيلومترات في حين أن طيوراً أخرى تقوم برحلات هجرة أقصر، وأعداد كبيرة أخرى تهاجر إلى لبنان لتمضي الشتاء فيه بدل أن تتجه نحو أقاصي الجنوب. لا يزال العلماء مستمرين في البحث حول أسراب مختلفة من نفس النوع تتجه إلى مواقع مختلفة أيضاً. فعلى سبيل المثال، فإن أبو قلنسوة، الألماني المولد، يقصد إنجلترا لقضاء فصل الشتاء فيها، في حين أن أبو قلنسوة الإنكليزي يغادر ليمضي الشتاء في إسبانيا وأفريقيا!
تعود الطيور إلى البلدان التي وُلدت فيها مع قدوم كل ربيع، ولكن البعض يعود إلى نفس البقعة، وقد استنتج بعض العلماء أن لديها حاسة ملاحة مدهشة تكمن بداخلها.
في داخل لبنان لدينا أيضاً أنواع طيور قليلة تقوم بهجرات عامودية وتهبط من الجبال إلى السهل عندما يحل فصل الشتاء ثم تعود إلى موطنها في الأعالي عندما يذوب الثلج. أيضاً فبعض الأنواع لا تهاجر في كل سنة، فمثلاً: إن البعض منها الذي يقتات على الزعرور البري والحبوب تبقى أثناء الشتاء إذا ما توفر لها مصدر مهم من الغذاء؛ لكنها قد تقوم بهجرات مكثّفة خلال سنوات إن كان هناك نقص في مصدر غذائها الشتوي الطبيعي.