موحش شتاء البلدات المتناثرة بين أشجار السنديان والشوح في السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الغربية. تكاد الحركة تنعدم في بلدات الرام والقدام ونبحا الدمدوم والزرازير وعيناتا، لولا بعض المسنّين الذين يتحلّقون حول «الصُوبيات» طلباً للدفء داخل دكاكينهم الصغيرة.
وحدها بلدة بشوات تختلف عن محيطها. رغم الطبيعة الجغرافية المشابهة لجاراتها، وافتقارها جميعاً للمقومات الخدماتية، إلا أن في بشوات ثمة ما هو «عجائبي»، يجذب إليها الزوار صيفاً وشتاء، من لبنان والعالم.
تمثال السيدة العذراء الضخم، بثوبها الأزرق، أول ما يستقبل الزوار قبل الوصول الى «مزار سيدة بشوات العجائبي». في ساحة المزار الواسعة سياح أجانب يبتاعون تذكارات من بخور وشموع بعدما أنهوا للتوّ زيارتهم، فيما آخرون يتوزعون بين «بيت مريم للضيافة» ومطاعم البلدة. تدني درجات الحرارة في بشوات التي ترتفع 1300 متر عن سطح البحر، والثلوج التي تغطي البساتين المحيطة بها، لا يقطعان حبل الزوار المتصل الى مقام السيدة العذراء داخل الكنيسة القديمة التي يعود عمرها الى أكثر من أربعة قرون. ملايين من مسيحيي لبنان والعالم، فضلاً عن آلاف المسلمين، يقصدون على مدار السنة المزار الذي يضم أيقونة تاريخية للسيدة العذراء والسيد المسيح.
يؤكد كاهن الرعية المسؤول عن المزار الأب فليمون سلوان لـ»الأخبار» أن «حالات الظهور للسيدة العذراء والعجائب الشفائية للمرضى تدفع الملايين لزيارة بشوات، من كل الطوائف والمناطق اللبنانية، ومن العالم»، مشيراً الى أن عدد الزوار عام 2004 وفي أعوام لاحقة قفز فوق الثلاثة ملايين. زائرو بشوات لا ينقطعون طوال أيام السنة، إلا أن سلوان يلفت إلى مواعيد محددة تغصّ فيها ساحات المزار والبلدة، كما في عيد السيدة في 15 آب، وذكرى الظهور في 21 آب، وفي شهر أيار المريمي.
«عجائب» المزار لا تقتصر على شفاء المرضى، بل انسحبت على البلدة بأكملها. على عكس جاراتها، فإن نحو 80 في المئة من أبناء بشوات يقطنون فيها صيفاً وشتاء بعدما وفّر سيل الزوار فرص عمل لأبنائها، بحسب رئيس بلدية بشوات حميد كيروز. في دير الأحمر المجاورة، مثلاً، ينزح غالبية السكان شتاء الى أماكن عملهم في بيروت وجبل لبنان. «نصف لبنان يزور بشوات، ولولا السيدة ما كان عنا شي» على ما يؤكد كيروز، لافتاً إلى فرص العمل التي وفّرتها تعاونية «التذكارات» الخاصة بتصنيع البخور والشموع وغيرها، إضافة إلى «بيت مريم للضيافة» وأوتيل المزار وعدد من الشاليهات والموتيلات والمطاعم. «بركات السيدة» تنسحب أيضاً على القرى المؤدية الى بشوات. زحمة الزوار، وخصوصاً خلال فصلي الربيع والصيف، تساهم في تحريك الدورة الاقتصادية لأبناء قرى غربي بعلبك، حيث تنتشر عشرات المحال التجارية والمنتجات الزراعية و»أكشاك» خبز التنور.

عدد الزوار عام
2004 وفي أعوام لاحقة قفز فوق الثلاثة ملايين


بشوات، شأنها شأن البلدات البقاعية الأخرى، تعاني من غياب الدولة أمنياً وخدماتياً وإنمائياً. الفلتان الأمني وأعمال الخطف والسلب في البقاع الشمالي انعكس تراجعاً في عدد زوار البلدة في السنوات الماضية. ويلفت كيروز الى ضعف التيار الكهربائي «بسبب قِدم الشبكة بعدما توقفت أعمال التحديث في بلدة الكْنَيْسة. أضف الى ذلك أزمة المياه التي تعانيها البلدة». فيما يشكو الأب سلوان من «وعود الهيئة العليا للإغاثة التي لم يُنفَّذ منها شيء». ويلفت الى انهيار صالة الوقف إبان العاصفة الثلجية عام 2010، «ورغم الوعود المتكررة بدفع التعويضات إلا أنها لم تدفع حتى اليوم، علما بأن الوقف يوفر فرص عمل لعدد من أبناء البلدة».
بشوات تنتظر، منذ سنوات أيضاً، تنفيذ شبكة الإنارة بواسطة الطاقة الشمسية، بدءاً من بلدة دير الأحمر. كما يطالب اتحاد بلديات دير الأحمر بإنشاء نفق عيناتا ــــ الأرز «الحيوي للبقاع كله وليس لمنطقة دير الأحمر فقط». ويوضح كيروز أن المشروع يتضمن حفر نفق بطول 4000 متر في السلسلة الغربية يربط بين عيناتا من الجهة الشرقية للسلسلة، والأرز من الجهة الغربية، ويسمح بحركة مرور سهلة بين البقاع والشمال من دون أي معوقات طبيعية شتاء، كإقفال طرقات الأرز وأفقا ــــ حدث بعلبك وكفرذبيان ــــ حدث بعلبك بسبب الثلوج. وأكد أن «وعوداً بتنفيذ المشروع تم الحصول عليها من رئاسة الجمهورية وعدد من الوزارات».






خريطة طريق السياحة الدينية

بمبادرة من لجنة التنمية الدينية في بشوات، وبالتنسيق مع وزارة السياحة، شارفت التحضيرات على إنجاز كتاب أشبه بخريطة طريق للسياحة الدينية في لبنان والبقاع على الانتهاء. وأوضح الأب فليمون سلوان لـ»الأخبار» أن الكتاب عبارة عن صور لأكثر من 150 مزاراً سياحياً ودينياً في لبنان و60 في البقاع، مع خريطة تسهّل السياحة الدينية وتسمح للزائرين بالوصول اليها من دون عناء. فمن يرغب، على سبيل المثال، بزيارة سيدة بشوات يمكنه أن يزور أيضاً «مزار مار الياس الحي» في بلدة الفاكهة، ومنها الى دير السيدة في راس بعلبك، الذي يعود الى القرن الرابع الميلادي، فضلاً عن مغارة مار مارون في الهرمل.