نجح العلماء مؤخراً في ابتداع طرق جديدة لتخزين الداتا على جزيئات الأحماض النووية DNA ما يفتح الباب أمام نقلة نوعية في تقنيات التخزين السائدة حالياً على الأقراص الصلبة والأقراص المدمجة والمواد الممغنطة، باتجاه استخدام جزيئات وذرات المواد العضوية أو الصلبة.تسمح هذه التقنية بالوصول إلى أعلى كفاءة تخزينية في تاريخ علوم المعلومات، إذ إن كثافة التخزين بالنسبة إلى المساحة المستخدمة توازي آلاف أضعاف التقنيات الموجودة حالياً. وباستخدام جزيئات الأحماض النووية، نجح الفريق العلمي بتخزين فيلم قصير وبرنامج تشغيل للكومبيوتر وبطاقة معايدة إلكترونية على بقعة صغير من DNA، وهذه مجرد بداية اختبارية للتقنية العلمية الجديدة.

سيسمح هذا النجاح بتوسيع التجربة، وصولاً إلى إمكانية تخزين كل الداتا والمعلومات والبيانات والبرمجيات الموجودة على سطح الكرة الأرضية في مساحة صغيرة لا تتخطى مساحة غرفة واحدة، بينما تحتاج اليوم إلى آلاف المباني وقاعات التخزين المليئة بالأجهزة الصلبة والمنتشرة في مئات المدن حول العالم. ولا تنحصر أهمية هذا الخرق العلمي في زيادة سعات التخزين على مساحات صغيرة، بل تتعدى ذلك إذ أصبح من الممكن حفظ كل المعرفة العلمية المنتجة لأوقات زمنية طويلة جداً تتخطى عشرات أضعاف العمر المتوقع لأدوات التخزين التقليدية التي تتعرض لعدة تشوهات وخسارة للمعلومات مع التقدم الزمني، مع إمكانية حركة سهلة لجهة نقلها جغرافياً إلى أماكن بعيدة. ومن المعروف أن الأجهزة القديمة مثل شريط الكاسيت، أو الحديثة مثل الأقراص المضغوطة CD تفقد صلاحيتها وتخسر المعلومات المخزنة عليها، كما أنه تتقادم بمعنى أنها تصبح غير متلائمة مع وسائل التكتولوجيا الجديدة لتصبح غير ذات قيمة حتى لو حافظت على المعلومات المخزنة. لكن التخزين على شيفرة الأحماض النووية يتيح تخزيناً كثيفاً ومستداماً لأوقات طويلة جداً. ومن المهم أيضاً أن هذه الفرق البحثية طوّرت في الوقت نفسه التقنيات العلمية الضرورية لقراءة المعلومات عن جزيئات الحمض النووي، ما يسمح بإعادة استخراجها لنقلها واستخدامها وتخزينها في أماكن أخرى ما يضع الاستخدام الفعلي على مسار التحقق خلال سنوات قليلة أو عقد على الأكثر.

تطلبت هذه العملية
تحميل الداتا على 72 ألف جزيء من الأحماض النووية

تطلبت هذه العملية تحميل الداتا على 72 ألف جزيء من الأحماض النووي والموجودة ضمن قطعة صغيرة من DNA، والتي أعيد استخراج المعلومات الواردة فيها عبر عملية عكسية ما سمح بإعادة قراءة المعلومات الواردة فيها من دون أية أخطاء ودون أية خسارة للمعلومات.
سبق التطور الأخير محاولات سابقة نجح فيها فريق منذ عدة سنوات بتخزين كتاب صغير من حوالى 100 صفحة على شيفرة DNA، وذلك في بدايات هذا المسار البحثي لكن ما قام به الفريق الثاني الأسبوع الماضي يفوق ذلك بمئات المرّات وهو ما يفتح عملياً مسارات واعدة في الاستخدام الواسع لهذه التقنيات. لكن بعض المصاعب ما زالت تكمن في تخفيف الكلفة المادية لتخزين واستخراج المعلومات عن جزيئات الأحماض النووية إذ بلغت كلفة الاختبارات الأخيرة عدة آلاف من الدولارات سواء لجهة التخزين أو استعادة المعلومات، ما يضع عوائق جدية أمام تحولها إلى تقنيات تجارية واسعة. لكنّ تلك الأكلاف ستنخفض بسرعة عند التوسع في الاختبارات والتطبيقات لتصبح في متناول العموم مع اكتمال المعرفة التقنية خلال السنوات القادمة. وحتى في حال عدم دخول تقنيات التخزين هذه في التطبيقات والاستعمالات الشعبية الواسعة، فإنها تبقى خياراً هاماً وضرورياً لتخزين المعلومات ذات الأهمية الاستراتيجية مثل المعلومات العلمية والفضائية والعسكرية وأيضاً المعلومات الطبية والإحصائية والاقتصادية ذات الأهمية الوطنية العامة في الكثير من الدول.
من الناحية الرقمية، من الممكن تخزين 215 "بيتابايت" من المعلومات على غرام واحد من الحمض النووي، وللمقارنة يعادل 1 بيتابايت كمية المعلومات الكاملة الموجودة في فيديو ذي نوعية ممتازة ويمتد على 13 سنة من الوقت. مقارنة بسيطة تظهر ضآلة القدرات التخزينية التي تتمتع بها الحواسيب الشخصية ذات الأقراص الصلبة، إذ تشير الدراسات إلى أن القدرات التحليلية والتخزينية للحواسيب تتضاعف تقريباً كل سنتين، لكن هذا المسار سوف يصل في نهاية المطاف إلى حدود معينة غير قابلة للتجاوز بسبب القدرة المحدودة للتخزين على مساحات معينة من المادة. ومع تطور العلوم، وتوسع الاكتشافات في كافة المجالات، وتطور تقنيات الفيديو والوسائط الإعلامية والانترنت تصبح مسألة التخزين وحفظ المعلومات ذات أهمية أساسية وتشكل تحدياً مطرداً في علوم الكومبيوتر وعلوم المعلومات. تستند التقنيات الجديدة إلى معارف علمية مختلفة جذرياً عن التقنيات السابقة حيث تدخل فيها علوم الذرة وميكانيك الكم لأنها تعتمد في تخزينها على خصائص الإلكترونات الموجودة حول نواة الذرات والجزيئات، وسوف يتيح تطويرها إمكانات لا متناهية في تخزين وحفظ وتشفير المعلومات، ويعتبر التطور العلمي والتقني والإعلامي المتسارع في أمسّ الحاجة إليها اليوم.