في فضائه عند «دوار الطيونة» ، ما زال روجيه عساف (1941) مرابضاً، فاتحاً تلك الأغورا للمسرحيين الشباب، وهواة الخشبة من أجل تبادل الأفكار والبحث والاستمرار في تطوير لغة مسرحية طالعة من نسيج المجتمع، والواقع السياسي والاجتماعي.
على مدى نصف قرن أمضاها في طرح قضايا وطنية ومجتمعية وسياسية ضمن إطار مسرحي شعبي، لم يغيّر مؤسّس «مسرح الحكواتي» نظرته إلى أبي الفنون الذي «دخل اليوم في العلاج الصحي والنفسي للإنسان» كما قال مرة، وإلى الجمهور بوصفه شريكاً أساسياً في المعادلة الإبداعية، ولا إيمانه بالعمل الجماعي الذي بات مفقوداً اليوم في المحترف اللبناني. أحد رواد الحركة الطليعية في بيروت الستينيات، جعلنا نحيا من جديد تلك اللحظة المضيئة، حين اعتلى الخشبة في الشتاء الماضي، مبدعاً في تجسيد رائعة شكسبير «الملك لير» (إخراج زينب عساف). صحيح أنّ عساف هو صاحب نظرية القطيعة مع المسرح الغربي، إلا أنّ ما دفعه إلى إنجاز موسوعته الفرنسية الضخمة «المسرح في التاريخ» (L’orient des livres)، هو تقديم رؤية مختلفة عن الفن الرابع، تشذّ عن المركزية الأوروبية. في إحدى مقابلاته، علّق: «نعتبر النموذج الأوحد للمسرح هو ذاك الذي ساد في أوروبا منذ القرن السابع عشر، حتى القرن التاسع عشر، مستبعدين أي شكل آخر». الكتاب الذي يوقّعه اليوم في الجناح اللبناني ضمن «معرض الكتاب في باريس»، يعدّ الجزء الأول من مشروع طويل النفس ينكبّ عليه، مدفوعاً بهاجس توسيع تعريف المسرح، مع استعادة الأشكال الفرجوية المختلفة التي خرجت من رحم الحضارات والثقافات المختلفة عبر التاريخ.