في الخامس من حزيران (يونيو) المقبل، تصدر للروائي المصري صنع الله إبراهيم روايته «1967». وهي الرواية التي كتبها صاحبها عقب الهزيمة المروعة التي جرت منذ خمسين عاماً، ولم يستطع وقتها أن ينشرها لجرأتها الشديدة... ويمكن اعتبار الرواية بمثابة الجزء الثاني من روايته الشهيرة «تلك الرائحة» التي كتبها بعد خروجه من السجن (1959-1964)، والتي أثارت – وقت نشرها - ضجة ليست فقط سياسية وفنية بل عائلية أيضاً. كانت «تلك الرائحة» أكبر من مجرد قصة، ولكنها – حسب يوسف إدريس- ثورة أو صفعة أو آهة منبهة قوية تكاد تثير الهلع.
كانت الصدمة الأهم للرواية جماليَّة: لغة نقيض اللغة الكلاسيكية الرصينة حيث الجمل القصيرة المدببة... العبارات التلغرافية المحايدة، والمسافات القصيرة بين الفواصل والنقاط. تحمل «67» السمات الفنية واللغوية نفسها التي ميزت «تلك الرائحة»، وإن كانت أكثر جرأة. وقتها رفضت نشرها بعض دور النشر، وسافر إبراهيم في رحلة طويلة خارج مصر تنقل فيها بين بيروت وبرلين وموسكو، ليعود في منتصف السبعينيات إلى مصر. كان المناخ وقتها مهيئاً للانقضاض على التجربة الناصرية، بالحق حيناً، وبالباطل أحياناً أخرى، فرفض هو نفسه نشر الرواية حتى لا يكون جزءاً من الحملة الساداتية على عبد الناصر، كما وجد أن تجربته الجمالية نضجت وتجاوزت هذه المرحلة. اختفت الرواية، ونسي أمرها، منشغلاً بتطوير تقنياته وتجربته، حتى وجدها أخيراً. الرواية التي تتكوّن من اثني عشر فصلاً، تبدأ باحتفال الأبطال، كأننا على خشبة مسرح، في رأس السنة، يمهد صنع الله للشخصيات التي سيتوالى ظهورها في الفصول التالية. اثني عشر فصلاً، كل فصل منها يتناول شهراً من شهور عام 1967، عام الهزيمة القاسية. يرصد صنع الله، المنشغل بالتفاصيل الدقيقة أسباب ما جرى، أو مقدمات الهزيمة، لا يجيب عن السؤال: لماذا؟ ولكن من حركة الأبطال وحواراتهم المتقشفة، نكتشف الأسباب التي قادت إلى الهزيمة. وكالعادة أيضاً نجد أن الجنس في الرواية، ليس جنساً إثاريّاً، بقدر ما هو جنس آلي ميكانيكي، يشبه الجنس في كل روايات صنع الله السابقة، يكشف هذا التحليل النفسي لمجتمع على وشك الهزيمة. الرواية إذن «وثيقة» عن تلك الفترة، ربما تجاوزها صنع الله فنيّاً وجماليّاً ولكنه يقدم هنا مقترحاً وسؤالاً، مجرد اقتراح جمالي عن تلك الفترة. والمفاجأة هي انتهاء صنع الله من كتابة سيناريو يدمج الروايتين «تلك الرائحة» و«67» معاً، وسيخرج الفيلم المخرج المصري سمير نصري. كذلك انتهى من سيناريو رواية «اللجنة» وسيبدأ تصوير الفيلم خلال أيام، من بطولة أحمد الفيشاوي وإخرج رامي عبد الجبار.