قبل سنة ونصف سنة، اشترى رجل الأعمال الصيداوي محمد زيدان العقار المعروف بـ «وقف طنطش» من ورثة الرئيس الراحل رفيق الحريري. الأخير كان قد اشترى العقار من معظم مالكي الوقف الذي كان عبارة عن بساتين حمضيات. لدى توليه رئاسة الحكومة وانتخاب شقيقته بهية الحريري نائبة عن محافظة الجنوب، جرف جزءاً من البساتين التي تحولت بداية إلى خيمة رمضانية لعامين متتاليين.
لاحقاً، بالتزامن مع إصدار حكومة الحريري آلاف رخص السوق العمومية والترويج لحافلات النقل الخاص بدلاً من حافلات النقل العام، بات العقار الواسع موقفاً عمومياً يربط بيروت وإقليم الخروب بصيدا وجزين وصور والنبطية. وعيّنت «مؤسسة الحريري» مديراً له وتقاضت بدلات من أصحاب الفانات ليتحول الموقف إلى حاجة لأهل المدينة وقاصديها من المناطق المجاورة، قبل أن يقرر المالك الجديد للعقار إخلاءه لبناء «مول» مكانه.
الحيوية الاقتصادية التي أضفاها الموقف على الساحة تلاشت منذ أيام. أصحاب الفانات تفرقوا في أرجاء المدينة، وانقطع الوصل بين «الشوفيرية» والركاب. بعض الفانات ركن عند الكورنيش البحري وبعضها في ساحة الشهداء، أو في الشوارع الداخلية في محيط الساحة متسبّبين بزحمة سير.

فقراء صيدا وزوارها يخشون تحول الساحة إلى «داون تاون» يحرم عليهم دخولها


رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أكد لـ»الأخبار» أن البلدية أخذت على عاتقها توفير موقف بديل بمواصفات أفضل لجهة البنى التحتية والتنظيم. عليه، قد يجتمع «الشوفيرية» والركاب مجدداً بعد التشرد القسري في مكان آخر. لكن من يعيد إلى ساحة النجمة شعبويتها؟
بعد الإخلاء، لم يتغير جلوس طارق ياسين، وكيل كاراج حبلي لسيارات الأجرة القائم منذ عام 1952. هل مصائب أهل الفانات عند أهل السيارات العمومية فوائد؟ يومئ بيده من دون مبالاة: «الدنيا دولاب. نحن أخذنا عز السبعينيات والثمانينيات وهم أخذوا عز التسعينيات والألفين، وسيأتي غيرنا ليأخذ عز المول والسيارات الخاصة».
التحولات في ساحة النجمة لن تقتصر على موقف «الفانات». إنها البداية. لدى البلدية مخطط لنقل مقرها من المبنى الحالي الذي شيده رئيس البلدية الأسبق الشهيد معروف سعد، على أن يهدم ويتحول إلى مواقف للسيارات. «مبنى الصاوي» المقابل سيهدم ويتحول إلى مركز تجاري. أما موقف البخور للسيارات، فهناك محاولات لشرائه وتحويله إلى فندق. السوق التجارية ستُخصص للمشاة وتتخذ طابعاً سياحياً. كل هذه العقارات تحيط بنافورة مياه ضخمة تحاكي المدن السياحية. يفرح البعض لأن «البلد يُرتب ويُنظّف». لكن التركيز على السياحة والخدمات يخيف فقراء صيدا وزوارها من أن تتحول ساحة النجمة إلى «داون تاون» يحرم عليهم دخولها.