ترحيب إسرائيل بالعدوان الأميركي على سوريا جاء مفرطاً، وتجاوز في إفراطه ردّ الفعل التناسبي على الهجمات، ليعبّر عن مستوى مرتفع جداً من الأمل، بإمكان إعادة الرهانات الإسرائيلية إلى نقطة البداية: إسقاط النظام، وإضعاف محور المقاومة.
وتقويم الموقف الإسرائيلي برهاناته المتجددة، قد لا يستقيم من دون العودة في حد أدنى، إلى الموقف في مرحلة ما بعد التدخل الروسي، ومن ثم التدرج الذي مرّ به، وصولاً إلى ما يشبه اليأس، من إمكان تحقيق المصالح الإسرائيلية، بعد أن تلمست تل أبيب، وتحديداً في الفترة الأخيرة، توجهاً لصوغ وجه سوريا المستقبلية، من دون اهتمام بالمصالح الإسرائيلية، مع اكتفاء موسكو بالاستماع إلى شكاية تل أبيب وتحذيراتها، بلا أفعال. نظرت إسرائيل للتدخل الروسي في سوريا كتهديد أنهى رهاناتها على إمكان إسقاط النظام السوري، وهي النتيجة التي كانت تترقبها وتتطلع إلى تحقيقها بما يضمن لها مصالحها كاملة. ومع إدراكها أنّها غير قادرة على مواجهة هذا التهديد الروسي، حاولت العمل على الحد من تداعياته السلبية عبر محاولة التوصل إلى تفاهمات مع موسكو تضمن لها حدّاً أدنى من مصالحها، مع التسليم بالمصالح الروسية كاملة. رحلات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المتعاقبة إلى روسيا، وتحويل موسكو إلى حائط مبكى، لم تأتِ لتحصين التفاهمات، وهو ما حاولت إسرائيل تظهيره، بل جاءت كما تبيّن لاحقاً، كرد فعل على واقع تهديد يتشكل، برضى ورعاية من روسيا، ويتضمن تعزيز الدولة السورية وحلفائها، على حساب المصالح الإسرائيلية.
في الأسابيع الأخيرة، وتحديداً بعد الاعتداء الإسرائيلي قرب مطار الشعيرات، وتصدي الدفاعات الجوية السورية للطائرات المعادية، ومن ثم ما تبعه من قيود روسية تجاه الإسرائيلي، تبيّن لتل أبيب بشكل كامل، أن محاولة تحويل التهديد الروسي إلى فرصة، كما عمل عليه، باتت دون نتيجة، وأن الأمور وصلت إلى حد تصادم المصالح، مع وقوف الروسي في وجه طموحاتها وأهدافها في الساحة السورية. نعم، لم يصرّح الإسرائيلي عن ذلك رسمياً، لكن مجمل المقاربة، كما ينقل المعلقون الإسرائيليون البارزون، تشير إلى واقع تهديد يتشكل، للروس جانب رئيسي في تشكّله.
العدوان الأميركي في هذا السياق، وعلى هذه الخلفية، هو أكبر وأوسع من ناحية إسرائيل كأمل مرتجى، من بعده العقابي على حادثة خان شيخون الكيميائية، وهو كما تأمل محلاً ومنطلقاً لرهان أكبر على إمكان استدراج تدخّل أميركي لموازنة التدخل الروسي، وإعادة توسيع هوامش الحركة لديها، بما يحفظ مصالحها القريبة والبعيدة المدى: اعتراض شحنات السلاح النوعي إلى حزب الله من سوريا وعبرها إلى لبنان، والتأثير في رسم هوية سوريا المستقبلية، عبر فاعلية ودور أكبر للجانب الأميركي، بما يحولها إلى دولة شبيهة أو ما يقرب، بباقي الدول العربية.
الترحيب الإسرائيلي بالعدوان الأميركي على سوريا يوازي في منسوبه مستوى اليأس المتشكل من الوجود الروسي، ومنع إسرائيل من تحقيق مصالحها وتعزيز التهديدات عليها، من الدولة السورية وحلفائها، وبرعاية ومظلة روسيتين سلبتا إسرائيل القدرة على المواجهة. على ذلك، منشأ الرهان الإسرائيلي المفضي إلى الترحيب المفرط بالعدوان، ليس الضربة نفسها، بل إمكان اعتبارها بداية لمرحلة تشهد مساراً متدحرجاً، لتدخل أميركي أوسع.
مع ذلك، ينتظر إسرائيل «وجع رأس» لا يستهان به في المرحلة المقبلة. وستكتشف أنها أخطأت في المسارعة إلى الترحيب بالعدوان، وإثارة الدب الروسي دون حساب التداعيات. إذا كان العدوان الأميركي على سوريا هو بالفعل فرصة، لكنه فرصة لا تتحقق بلا استكمال لمعالمه وظروفه، وفي مقدمة ذلك «إذعان» لا يمكن تصور حدوثه، للطرف الآخر.
من المقدر أن ينقلب الترحيب الإسرائيلي، بعد أيام، إلى تعبير بشكل أو بآخر عن منسوب مرتفع من الخشية والقلق، نتيجة مروحة احتمالات الرد المتاحة والممكنة لدى الدولة السورية وروسيا وحلفائهما. الرد الذي لن تكون إسرائيل خارج خياراته، وفي طليعة ذلك تقييد هامش الحركة لديها، والدفع أكثر باتجاه تعزيز التهديدات عليها، مما حاولت الحؤول دونه، من بدء الوجود الروسي في سوريا، وقبله أيضاً.
في الفترة القريبة المنظورة، إن أحسنت إسرائيل القراءة في مرحلة ما بعد الترحيب بالعدوان، فستكون معنية بدراسة خطواتها وخياراتها بصورة أكثر عمقاً وأكثر حذراً، وإلا فستقامر بتلقي الرد على اعتداءاتها واعتداءات غيرها، دون طائل.