بعد 14 عاماً على ذكرى «السقوط»، تعود واشنطن إلى بغداد بقواها العسكرية والسياسية. يقول مصدر سياسي عراقي «إننا لم نصدق كيف أخرجنا الأميركي من البلاد عام 2011... لقد خرج من الباب، قبل أن يعود إلينا اليوم من نافذة محاربة داعش».
توزّع القواعد العسكرية في البلاد يوضح ذلك. ثماني قواعد عسكرية، كافية لتبيان النيات الأميركية في العودة إلى العراق، بحجّة «الحرب على الإرهاب»، والبقاء في مرحلة «ما بعد داعش»، للمشاركة في إعادة بناء الجيش العراقي، وفق التصريحات الصادرة من واشنطن وبغداد.
وصف «العودة» يكشف خطورة المخطط الأميركي، وحاجة واشنطن إلى البقاء في الميدان العراقي من جهة، و«استهتار» بعض القوى السياسية العراقية، وتفريطها بالبلاد نتيجةً لقراءاتها «السطحية» للنيات الأميركية، والتي يبديها «دبلوماسيّو المنطقة الخضراء»، من جهةٍ أخرى.
قبل 2011، أي قبل الانسحاب، عانت القوات الأميركية كثيراً من فصائل المقاومة العراقية، وتتحدث صحف بريطانية وأميركية أنّ غزو العراق أدى إلى مقتل «أكثر من 4500» جندي أميركي.

وجدت واشنطن
في «داعش» الفرصة الأنسب للعودة
إلى العراق

ورغم إنجازات المقاومة العراقية في تطوير وبناء ذاتها، وتحقيق إنجازات ضد المحتل، فإنها تُركت وحيدة، في معظم الأحيان. هذه الإنجازت قد تذهب سدىً، بالتأمل فقط في خريطة وجود القوات الأميركية في العراق، التي يبلغ عديدها اليوم حوالى 20 ألف جندي، مع ترجيح أن يزداد بحسب التصريحات الأميركية المستمرة.
سياسياً، تمكّن العراقيون ــ بعد مفاوضات صعبة ــ مع الجانب الأميركي من عقد اتفاقٍ عام 2011 يقضي بانسحاب قوات الاحتلال، على أن تُبقي واشنطن على عددٍ معيّن من جنودها، ضمن إطار اتفاقيات تعاونٍ أمني ــ دفاعي. ومنذ ذلك الحين، بدأت واشنطن تعدّ العدّة للعودة إلى العراق، من خلال الميدان والسياسة.
في حزيران من عام 2014، وبعد سقوط الموصل بيد تنظيم «داعش»، وجدت واشنطن في هذا الظرف الفرصة الأنسب للعودة إلى العراق. دعت إلى تشكيل قوات «التحالف الدولي» لمكافحة «داعش»، وإلى ضرورة العودة لتقديم الاستشارات للجيش العراق المنهار.

عودة «العسكر»

أبقت الولايات المتحدة على عددٍ من قواعدها في العراق، منذ عام 2011، غير أن عدد «المستشارين» بدأ يتضاعف منذ 2014. اليوم، يبلغ عدد القواعد العسكرية الأميركية في العراق 9 قواعد تتوزّع على الشكل الآتي:
1- قاعدة «النصر» أو «فيكتوري»، وتقع داخل حدود مطار بغداد الدولي، وتستخدم للقيادة والتحكم والتحقيقات والمعلومات الاستخبارية.
2- قاعدة بلد الجوية، وهي أكبر قاعدة جوية في العراق، وتبعد 64 كلم شمال العاصمة بغداد.
3- قاعدة عين الأسد، ثاني أكبر القواعد الجوية في العراق، وتقع في ناحية البغدادي، في محافظة الأنبار، بالقرب من نهر الفرات.
4- قاعدة التاجي، التي تقع على بعد 25 كلم شمال بغداد، وتشبه إلى حدّ كبير قاعدة «بلد».
5- قاعدة الحبانية أو «التقدم»، وتقع بين مدينتي الفلوجة والرمادي، بجوار مدينة الخالدية، فيها كليات عسكرية للتدريب الأمني ومقار للتحكم والسيطرة.
6- قاعدة القيارة الجوية، وتقع في محافظة نينوى، على بعد 300 كلم شمال بغداد، وتضم حالياً قيادة «العمليات المشتركة» لمعركة «قادمون يا نينوى».
7- قاعدة كركوك أو «رينج».
8- قاعدة أربيل، والتي أُنشئت مؤخراً بتسهيل من رئاسة إقليم كردستان بهدف «مواجهة داعش». كذلك، فإن الولايات المتحدة عازمة على إقامة قاعدتين لقوات «العمليات الخاصة»، في منطقة عكاز قرب مدينة القائم الحدودية، وفي منطقة الحميرة قرب الرمادي.
من خلال توزّع تلك القواعد، يظهر الحرص الأميركي على وصل العراق بسوريا، وجعلهما ميداناً واحداً. ويشير التوزّع إلى الحاجة الأميركية إلى الإمساك الميداني، وعزل إيران عن سوريا، من خلال الساحة العراقية. وإن جُمعت القواعد في «خطّ وهمي»، فإن الأمر يوضح ذلك، ويجعل سوريا بين فكّي كماشة من الشمال الشرقي، وتحديداً في القيارة، ومن الجنوب الغربي، أي في القائم، على أن تكون القاعدة الأساسية في مطار بغداد، والهدف كلّه «حرب داعش»، لكن التساؤل الأساسي يبرز: «ما بعد داعش، لماذا هذا العدد من القواعد والمستشارين؟».