لم يصدر عن الورشة التي عقدت في مجلس النواب أول من أمس توصيات محددة، إذ عُدَّت ورشة مفتوحة لحين إنجاز استراتيجية للإدارة المتكاملة والمستدامة للنفايات الصلبة في لبنان، يمكن أن تدوم إلى ما لا يقل عن 20 سنة، قبل أن يطرح تعديلها بناءً على تطورات تقنية وعلمية وحضارية يمكن أن تطرأ.
الورشة التي تُعقَد للمرة الأولى في مجلس النواب لمناقشة الإدارة المتكاملة للنفايات على المدى البعيد، بحثت في وضع الأسس الاستراتيجية لإدارة هذا الملف، بعد أن مرّ لبنان بأزمة كبيرة العام الماضي، وبعد مرور ما يقارب عشرين عاماً على خطط الطوارئ التي لا تزال سارية المفعول حتى هذه اللحظة. جديد ملف النفايات الذي طُرح في هذه الورشة، هو ما اقترحته الأمم المتحدة للبيئة من مبادئ استراتيجية أساسية وعلمية ومحايدة لإدارة هذا الملف، يُفترض أن تترجم في قوانين بعد مناقشتها مع الأطراف كافة وتحت قبة البرلمان.
شارك في تنظيم هذه الورشة، بالإضافة إلى برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مجلس النواب بالتعاون مع الأمانة العامة في مجلس النواب ووزارة البيئة ولجنة البيئة النيابية، ممثلون عن اتحادات البلديات وبعض البلديات، بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني وبعض القطاع الخاص والخبراء والمختصين. فما كانت أبرز الآراء والمداولات في الورشة؟

مركزية أم لامركزية؟

ركزت الورشة على ضرورة إقرار الاستراتيجية التي يفترض أن تسبق القوانين، وفتحت النقاش أيضاً حول قانون إدارة النفايات الصلبة الذي حُوِّل إلى مجلس النواب عام 2012، وضرورة تعديله في ضوء الاستراتيجية بعد إنجازها. وعرضت وزارة البيئة في هذه الورشة وجهة نظرها في مندرجات هذا القانون، بالإضافة إلى عرض لجنة البيئة النيابية ممثلة بالنائب سيمون أبي رميا للخطوات التي حققتها في أثناء مناقشة هذا القانون وأين توقف النقاش حوله.

«بدل 2200 طن
يدخل أكثر من 3000 طن يومياً إلى مطمري الطوارئ»
كذلك قوّمت وزارة الداخلية والبلديات تجربتها في إدارة هذا الملف مع البلديات واتحادات البلديات ممثلة بالعميد الياس خوري، بالإضافة إلى عرض محمد بركة لتجربة وزارة التنمية الإدارية حول إدارة مشاريع خارج بيروت وجبل لبنان، ولا سيما مع البلديات واتحادات البلديات التي شاركت أيضاً في الورشة، وقد ثبّتت حصيلة هذه النقاشات القاعدة التي تؤكد «ضرورة وجود استراتيجية وقوانين وخطط مركزية لتحديد المهمات اللامركزية، وأن ثمة لا مركزية ناجمة عن تخطيط مركزي سليم يُسهم في الحل، بينما لا تنتج اللامركزية من دون رؤية مركزية إلا الفوضى».

مبادئ الوزارة

تسهيلاً للنقاش، سأل وزير البيئة في مداخلته (طرحتها عنه منال مسلم): أين يبدأ دور وزارة البيئة وأين ينتهي؟ فإذا كانت هذه الوزارة هي من يخطّط ويُعدّ للتشريع ويراقب ويوجّه، فهل يمكن البلديّات أن تتولّى جميع مراحل التنفيذ بمفردها؟ أم يجب إنشاء هيئة أو مجلس أو لجنة يتمثّل فيها القطاعان العام والخاص بالإضافة إلى المجتمع المدني لتطوير إدارة هذا القطاع؟
وسأل أيضاً: هل يجب تحديد أهداف معيّنة في ما يعود للكفاءة في التعاطي مع هذه النفايات على أساس أنّها موارد، وبالتالي تحديد نسب لاسترداد المواد (material recovery) وأخرى لاسترداد الطاقة (energy recovery)؟ فمعدّل نسبة استرداد المواد حالياً في لبنان قد يقارب 15% تقريباً، أمّا معدّل نسبة استرداد الطاقة فيلامس الصفر؛ ألا يجب أن تحدّد الاستراتيجية الأهداف التي نطمح إلى تحقيقها في السنوات القادمة؟
وطرح وزير البيئة، بالإضافة إلى مبدأ الاسترداد الذي يفترض أن يتضمن في الاستراتيجية أوّلها، المبادئ التي نصّ عليها قانون حماية البيئة (القانون 444/2002)، ولا سيّما البيئية (مبادئ الاحتراس، الوقاية، الحفاظ على التنوّع البيولوجي، تفادي تدهور الموارد الطبيعية، مراقبة التلوّث، وتقويم الأثر البيئي)، والاقتصادية (مبدأ الملوّث يدفع ومبدأ الاعتماد على المحفّزات الاقتصادية)، والاجتماعية (مبدأ أهميّة المعيار العرفي في الوسط الريفي)، والحوكمية (مبدآ الشراكة والتعاون). بالإضافة إلى الإنماء المتوازن من خلال شمول جميع المحافظات في الرؤية المطروحة. ودور البلديّات في إدارة النفايات، وذلك ضمن الشروط المحدّدة في القوانين والأنظمة، والتكامل بينها وبين الإدارة المركزيّة بما يضمن وفرة الحجم وكفاءة توزيع الموارد واسترداد الكلفة. بالإضافة إلى التنافسيّة والابتكار وروح المبادرة، من خلال تشجيع مشاركة القطاع الخاص. وتعميم ثقافة المسؤوليّة المشتركة في الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، من خلال إعداد وتنفيذ برنامج تواصل متكامل لتبسيط مفهوم السلّم الهرمي لإدارة النفايات الصلبة، وتوضيح دور كلّ مواطن ومؤسسة في حسن تطبيقه.

تحذيرات شهيب

بدوره، حذّر رئيس لجنة البيئة النائب أكرم شهيب، في كلمة ألقاها عنه الأمين العام للمجلس النيابي عدنان ضاهر، من أننا «ذاهبون نحو أزمة في ملف النفايات في عام 2018، وسنقع في نفس المشكلة التي وقعنا فيها بين عامي 2015 و2016 مرة أخرى، بسبب غياب الحلول الجدية». وذكّر بأنه «بحسب الخطة المؤقتة، كان من المفترض أن يدخل 2200 طن يومياً، 1100 طن إلى العمروسية و1100 طن إلى الكرنتينا، و450 طناً إلى صيدا التي لم تستقبل أي كمية. عملياً، اليوم يدخل 1500 طن إلى العمروسية و1500 طن إلى الكرنتينا، هذا كله على حساب الوقت، واليوم هناك لجنة وزارية برئاسة الرئيس الحريري مكونة من عدد من الوزارات لها رأي، من بينها وزارة البيئة التي لها رأي آخر يعتمد على اللامركزية، وفي اللجنة الوزارية الواحدة هناك آراء متعددة، وبين اللجنة والحكومة هناك تضارب في الآراء، أيضاً اللجنة في مكان وبلدية بيروت في واقع آخر، وإذا حُلَّت مشكلة بيروت، فماذا عن ضواحي بيروت الشمالية والجنوبية؟».

وعود أبومغلي

بدوره ذكّر المدير الإقليمي للأمم المتحدة للبيئة إياد أبومغلي بالتقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة للبيئة من خلال فريق العمل الدولي الذي شكّلته لدراسة ملف إدارة النفايات في لبنان بعد الأزمة، الذي يتضمن خريطة الطريق والخيارات لإدارة النفايات، وفقاً للمعايير والخبرات الدولية، وبناءً على الاستراتيجية الدولية التي أقرتها دول العالم الأعضاء في الاتحاد الدولي لإدارة النفايات الصلبة، وقد أُرسل هذا التقرير إلى الحكومة اللبنانية. والندوة هي لاستكمال هذه المهمة.

«استرداد الموارد
أم الطاقة من النفايات... أم ردّ البضاعة إلى المنتج؟»

وكشف عن العمل مع وزارة البيئة في لبنان لإرسال طلب من أجل جلب التمويل من صندوق المناخ الأخضر الدولي لمنح لبنان التمويل المناسب لإعداد الاستراتيجية المتكاملة لإدارة النفايات وتنفيذها، ووضع دراسة عملية وخطط تنفيذية لاختيار وتطبيق أفضل الخيارات التكنولوجية العالمية التي تتناسب ووضع لبنان الديموغرافي والجيولوجي والبيئي، آملاً توفير 50 مليون دولار أميركي إذا ما اتخذنا الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب وأعددنا الوثائق العلمية وتعهدنا ببدء العمل على إعداد الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات وتنفيذ هذه الاستراتيجية، ومؤكداً أن العمل بدأ أيضاً مع مملكة البحرين والمملكة الأردنية الهاشمية بإعداد استراتيجية لإدارة النفايات، بعد الاتفاق مع الحكومتين على اتخاذ الإجراءات وتخصيص منحة من صندوق المناخ الأخضر. وشدد على أهمية تحويل ملف النفايات من قضية هي رهن التجاذبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى ثروة وطنية مستقلّة ومصدر دخل قومي قائم على الاقتصاد الدائري بدلاً من الاقتصاد الخطي التقليدي القائم على «الأخذ والتصنيع والهدر»، ومن ثم توليد نفايات كلفة التخلص منها تفوق القدرات الوطنية.

التنمية الإدارية

بالرغم من المآخذ التاريخية على وزارة الدولة للتنمية الإدارية التي تولت قبول هبات من الاتحاد الأوروبي لإدارة مشاريع حول معالجة النفايات مع الكثير من البلديات في المناطق، ليست من اختصاصها، إلا أن مداخلة ممثلها محمد بركة في الورشة، كانت مهمة لعرض الوقائع وأخذ العبر من تجاربها في أثناء إدارتها لمشاريع كثيرة في السنوات الأخيرة مع البلديات. ولعل أبرز التوصيات والخلاصات التي عرضها بركة، في معرض تقويم التجارب ومحاولة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بقدرات البلديات في حال اعتماد مبدأ اللامركزية، كما تقترح وزارة البيئة حالياً، مع العديد من الجهات التقنية والسياسية، نبه بركة إلى أن المجالس البلدية هي مؤسسات منتخبة تتغير كل 6 سنوات، وبالتالي يمكن أن يتغير الكادر المسؤول عن مشاريع النفايات ويؤثر سلباً في استمرارية العمل، مقترحاً تأسيس مكاتب فنية متخصصة في الاتحادات لتواكب المشاريع، أو تأليف لجنة من كل قضاء تضم إلى الاتحادات المحافظ ونواب المنطقة والجمعيات لمواكبة عمل مراكز المعالجة، مؤكداً ومؤيداً رأي العميد الياس خوري من وزارة الداخلية والبلديات بأن الأفضل القيام بمشاريع ومراكز مع الاتحادات، وليس مع البلديات للجدوى الاقتصادية الأفضل ولتوفير المساحات والأكلاف.

المبادئ المقترحة

بين المبادئ التي اقترحها في الورشة مستشار الأمم المتحدة للبيئة الزميل حبيب معلوف: «المسؤوليات البيئية» وتوزعها وتدرجها بين المنتج والمصنع والمسوّق والتاجر والمستهلك، كل بحسب مساهمته في إنتاج النفايات. و«حق المعرفة» وضرورة تضمن حق المواطن ــ المستهلك بالوصول إلى المعلومات ومعرفة الكلفة الحقيقية للإنتاج ومكوناته. و«الضريبة البيئية» وإعادة النظر بالنظام الضرائبي الذي يلعب دوراً سلبياً جداً ضد فكرة الاستدامة. فهو يشجع الاستهلاك ويراكم النفايات ولا يأخذ بالاعتبار ديمومة الموارد وكلفة معالجة النفايات. وهو نظام يرهق الرواتب ويدمر البيئة. وهو يشجع على الغش والاحتيال والتلاعب، والتهرب من دفع الضرائب أيضاً... وبالمقابل تقديم الحوافز والدعم للاتجاهات المستدامة. و«دعم الإنتاج الأقرب إلى الدورة الطبيعية» و«التصنيع المستدام». وتطبيق مبدأ «الاستئجار بدل التملك»، ولا سيما للسلع والمواد الإلكترونية، الكثيفة الاستعمال، التي بات تصنيعها وتطويرها يتغير باستمرار والتي يمكن أن تتحول إلى نفايات بسرعة مثل الهواتف الذكية والكمبيوترات، لتعود إلزامياً إلى مصنعها الأصلي. هذه الصناعات يفترض أن تصنع وتستخدم وتعاد إلى المصنّع، ضمن منظومة دائرية مغلقة، فتزيد جودته ويقل ثمنها. وتطبيق «مبدأ الاسترداد» الذي لا يعني فقط استرداد المواد التي تشكلت منها النفايات أو استرداد الطاقة من النفايات، كما تطرح وزارة البيئة في عمليات المعالجة، بل يعني ردّ  المنتجات إلى مصادرها التصنيعية والتحويلية والتجارية. وتطبيق مبدأ «شهادة الجودة البيئية» و«الفصل بين الأعمال والإدارات الرسمية».




اتحادات وليس بلديات


كشف ممثل وزير الداخلية العميد الياس خوري، أن مجموع الطلبات التي تقدمت بها البلديات لإنشاء مراكز معالجة للنفايات بلغت 82 كتاباً، ولكنها تفتقر إلى التمويل المستدام. أما الطلبات التي تلقتها من اتحادات البلديات فهي 3، واحدة منها فقط قابلة للتحقق هي المقدمة من بلدية غوسطا وتشمل موافقة الاتحاد (كسروان) وبلدياته... مؤكداً عدم قدرة البلديات الصغيرة على إنشاء المعامل وتشغيلها. كذلك جرى التأكيد أن هناك مشكلة في إيجاد الأراضي لإنشاء المعامل في كل المناطق كما هي الحال في بيروت وجبل لبنان. وطُرحت أيضاً مشكلة إنشاء المعامل من دون المطامر التي تعود وتكبر على المدى البعيد، فيقفل المعمل. بالإضافة إلى إقفال معامل إعادة التصنيع، كإقفال معمل لإعادة تصنيع الزجاج.
وطُرحت إشكالية حول دور الجمعيات، ففيما ترى وزارة البيئة والكثير من الخبراء المحايدين أن مهمة الجمعيات في هذه العملية هي الضغط والتوعية والمراقبة (السياسات والخطط)، ترى بعض الجمعيات أنها يمكنها أن تتابع عملها في القطاع في التدريب على الفرز ونقل المواد القابلة لإعادة التصنيع وبيعها.
كذلك طُرح الكثير من الأفكار حول طرق تصنيف النفايات وضرورة وجود معايير ومواصفات لكل شيء ولكل خيار، بما في ذلك معنى المراقبة والتمييز بين الخطط والاستراتيجيات أيضاً.






من يملك النفايات؟


طرحت في الورشة الكثير من الأفكار والأسئلة التي تحتاج إلى الكثير من الأجوبة، وبينها: النفايات ملكية من إذا فُرزَت؟ من يسعِّر ومن يبيع؟ ولمَن تعود العائدات؟ وإذا أنتجنا طاقة من النفايات، فكيف نسعِّرها وكيف نبيعها ولمَن؟ هل تُنظَّم معالجة النفايات بواسطة قانون أم مرسوم تنظيمي؟ وهل يمكن الاكتفاء بمرسوم تنظيمي يصدر عن القانون 444 الذي أُقرّ عام 2002؟
قيل إنَّ من حسنات تنظيم إدارة النفايات بواسطة مرسوم أفضل لإمكانية تعديله بسهولة أكبر، ولكن هل يمكن المرسوم أن يعدّل في الضرائب المصنفة بيئية والمقترحة في الاستراتيجية كإجراء تخفيفي لا بد منه، أم نحتاج إلى قانون للقيام بذلك؟
كذلك طُرح الكثير من الإشكاليات حول خيار الـ RDF، الذي تتبناه بعض الجمعيات، أي تحويل بعض أنواع النفايات إلى وقود بديل لأفران شركات الترابة، وقد أكد ممثل وزارة البيئة أن أي تجربة لم تحصل بعد لدراسة هذا الخيار، لأن المجتمع المدني القريب من معامل شركات الإسمنت رفض مجرد تجريب هذا الخيار. كذلك حُذِّر من عودة تمرير فكرة المحارق الصغيرة بين القرى والبلدات أسوةً بمحرقة ضهور الشوير التي رفضها الأهالي ووزارة البيئة، والعين الآن على عين بعال.