ilan pappe, ten myths about israel. verso, london 2017. 192 pp.
القارئ المتابع يعرف الكاتب إيلان بابه من مؤلفات عديدة صدرت له من قبل أهمها «التطهير العرقي في فلسطين» الذي ترجم إلى العديد من اللغات، منها العربية. دفع بابه ثمناً غالياً لكتابته، وقد عرض معاناته تلك في مؤلفه المهم الذي صدر باللغة العربية تحت عنوان «خارج الإطار: القمع الأكاديمي والفكري في «إسرائيل»».
في «أساطير إسرائيل العشرة»، يمضي الكاتب قدماً في تعريته كيان العدو وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، غير آبه لاستسلام سلطة قصبية كاريكاتورية أضحت إلى حدّ بعيد ذراع «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أي حكومة «فيشي» الفلسطينية. بل إن حكومة فيشي الفرنسية العميلة للاحتلال النازي، لم تجرؤ على ارتكاب جريمة محاكمة أي فرنسي سقط وهو يحارب المحتل الألماني كما تفعل ميليشيا رام الله التي تحاكم باسل الأعرج الذي سقط في مواجهة مع قوات العدو.

يواصل إيلان بابه تقصّيه العلمي والفكري لكيان العدو، ومحاربة جوهره العنصري غير مكترث بالاستسلام المخزي لأغلب المثقفين الفلسطينيين والنخب الفلسطينية، الحقيقية وتلك التي تتوهم كذلك، والتحاقهم أفراداً وزرافات بمسيرة استسلام الزعامات المليشياوية الفلسطينية، والقبول بما يرمي به العدو من فتات. بدأت هذه «النخب» بالخضوع لإملاءات مؤتمر القمة العربية المنعقد في الاسكندرية عام 1970 الذي فرض على العمل الفدائي تسليم السلاح وحلّ القوات الشعبية التي كانت بقيادة الأسطوري الراحل أبو داود، والاندحار إلى مناطق جبلية معزولة في غور الأردن حيث قضت عليها قوات بادية نظام عمان المتصهين.
قسم الكاتب عمله إلى ثلاثة أجزاء أولها «مغالطات الماضي» حيث يتناول بالفضح ادعاءات العدو عن تاريخ فلسطين الحديث، وهي أن فلسطين كانت أرض خواء، وأنَّ «اليهود» كانوا شعباً بلا أرض، وأن الصهيونية هي اليهودية، وأن الشعب الفلسطيني غادر أراضيه ومدنه وقراه عام 1948 طواعية، وأن عدوان عام 1967 كانت حرباً فرضت على كيان العدو. هذه الأكاذيب الرئيسة، يوظفها العدو وحلفاؤه في الغرب الاستعماري لتبرير دعمهم اللامحدود للعدو وعدائهم لقضية الشعب الفلسطيني.
الجزء الثاني «ميثولوجيا أوسلو» ومن بعد «ميثولوجيا غزة»، خصصه الكاتب للحديث في مغالطات الحاضر، ودحضها، وفي مقدمة ذلك الادعاء بأن كيان العدو هو الديمقراطية الوحيدة في جنوب المتوسط وشرقه (الشرق الأوسط)، إضافة إلى فضح اتفاقيات أوسلو التي بدأ الإعداد لها في مدينة فافو النروجية وتعد استكمالاً لمؤتمر مدريد الذي عقد عام 1991 عقب حرب الكويت، وبدأت بإعلان مبادئ وقعت عليها الزعامات المليشياوية وكيان العدو في 13 أيلول (سبتمبر) 1993.

حلّ الدولتين يهدف إلى وضع فلسطينيي الـ 1967 تحت حكم العدو مباشرة


يوضح الكاتب أن اتفاقيات أوسلو قادت في نهاية المطاف إلى عرض رئيس وزراء كيان العدو إيهود باراك على الطرف الفلسطيني كياناً كاريكاتورياً مسخاً مجرداً من السلاح يقوم على أراض فلسطينية احتلها العدو عام 1967، تكون عاصمتها قرية أبو ديس. أما منطقة غور الأردن والقدس «الكبرى» والمستوطنات وسياسات الدويلة الخارجية والمالية، فتكون خاضعة للعدو!
يخصص إيلان بابه جزءاً خاصاً يطلق عليه صفة «ميثولوجيا غزة» للحديث عما يسمى «قطاع غزة» وهو الأراضي الفلسطينية المحررة، لكن الواقعة تحت حصارين، مصري وصهيوني، وعن الأوضاع التي تطورت فيه منذ ما يعرف بالانتفاضة الأولى التي انطلقت شرارتها في مخيم جباليا الواقع في «القطاع» يوم 8 كانون الأول (ديسمبر) 1987. كما يعرض رأيه في ولادة حركة «حماس» تحت نظر الاحتلال الصهيوني [وبموافقته وتسهيل أعماله، إن لم يكن بدعمه]. كانت مؤسسة خيرية في البداية، ثم تحولت إلى تنظيم ديني/ عسكري.
يتطرق الكاتب في هذا الفصل إلى فكر بعض قادة كيان العدو ونظرتهم إلى الفلسطينيين حيث يوضح انتماء بعضهم إلى الفكر الرومانطيقي مثل غُبينو وفِيشت الذي أكد ضرورة الصفاء العرقي شرطاً للتفوق، ومن ثم تشكل القوميين! المعاناة الهائلة لشعبنا في «القطاع» هي ما وسع من دائرة التعاطف الدولي الشعبي مع قضيتنا الفلسطينية الوطنية/ القومية العربية، لا قومية أعراب العمالة والعمولة في الخليج الفارسي. لذا نجد أن هذا الفصل هو الأطول في هذا المؤلف المهم.
الجزء الثالث والأخير «نظرة إلى المستقبل» خصصه الكاتب للحديث في ميثولوجيا ما يسمّى حل الدولتين واعتباره الطريق الوحيد للحل، وما يحكى عن أنّه يقع على قارعة الطريق، وكل ما يحتاج الأمر إليه هو التقاطه. يوضح الكاتب أن ما يسمى حلّ الدولتين، وهو توصيف تضليلي مقيت، هو اقتراح صهيوني بالأساس هدفه تدوير المربع (سنعود إلى هذا الأمر قريباً في مبحث منفصل). أما الهدف، فهو وضع فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1967، أي «الضفة الغربية» تحت حكم العدو مباشرة وترك لهم إدارة بعض أمورهم الذاتية مثل جمع القمامة والنفايات والمجاري، وهذا بعد قرن ونصف على انطلاق الحراك الوطني في فلسطين!
يؤكد الكاتب أنّ مشروع ما يسمى الدولتين هو جثة تخرج من المشرحة بين الفينة والأخرى، لمداعبة أحلام من لم يستفق بعد من تأثير مخدر الحلول السلمية.
يختم إيلان بابه مؤلفه بالحديث عن كيان العدو كونه دولة استعمارية استيطانية، ليؤكد ختاماً أن الحل الوحيد الممكن لهذه القضية الاستعمارية الاستيطانية يكمن في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها.