يمكننا الجزم بأن «واحة الغروب»، هي المكان الأرحب، الذي بنى عليه الكاتب بهاء الطاهر، وبعده صنّاع العمل الدرامي الرمضاني، وأسسوا اللبنة المركزية لقضية المرأة. في الرواية التي تدور أحداثها بين 1882 و1888، يتكئ الكاتب على شخصيات نسائية، ليظهّر الفكر التمردي للمرأة وسط بيئة وتقاليد وعادات تدفنها حية، وتحيلها إنساناً هامشياً، مسلوب القرار والمصير.
نرى ذلك مع شخصية «نعمة» (مها نصار) التي ظهرت في الحلقات الأولى، كخادمة وعشيقة في منزل الضابط الخاسر من الحرب ضد الإنتداب البريطاني محمود عبد الظاهر (خالد النبوي). بدت «نعمة» لوهلة أولى مسحوقة الإرادة لأنها تعامل كـ «عبدة» من خلال تحضير الطعام وسرد «الحواديت» على الضابط المصري، وإقامة العلاقة الحميمة معه. في لحظة، يبرزها الكاتب، كإمرأة حرة منتفضة على «جلادها»، ولو أحبها الأخير حباً جماً. فحين سألت محمود «هل يحبها؟»، وأجابها «أنت مجرد جارية ولو كررتِ الكلام ده هطردك»، ما كان منها الا أن تسللت ليلاً من المنزل لتغادره نهائياً، وتترك هداياه مكانها، وتدوس على قلبها، لأن كرامتها هي الأولوية. أيضاً، فـ «كاثرين» (منّة شلبي)، زوجة الضابط عبد الظاهر، هي التي سعت الى كسب ودّه على الباخرة وصولاً الى عقد قرانهما. شاهدنا هذه المرأة الإيرلندية التي أتت مع زوجها الى «سيوة»، بسب ولعها بالآثار وبحثها عن مدفن الإسكندر الكبير. كنا على موعد مع مشهد هام، بتوجهها الى الواحة وتحديداً الى «مجلس الأجواد» (يمنع فيه دخول المرأة)، ومخاطبتها لهم وتأكيدها على أنها لا تريد سرقتهم، بل فقط التفتيش عن الآثار. في هذا المشهد، رأينا «إنتفاضة» هؤلاء على كاثرين الى درجة المطالبة بقتلها لأنها «أجنبية» و«كافرة» تجرأت على إقتحام هذا المجلس، لولا إنقاذها من قبل الشيخ يحيى (أحمد كمال).
ولعلّ الثقل في الرواية هو همّ تبيان هذا الجانب الفكري النسوي من خلال شخصية «مليكة» (ركين سعد)، التي تتمرد على أهل الواحة وعاداتها البائدة التي تسحق المرأة من خلال محاولتها الهروب مراراً من أماكن سجنها كأرملة مرتين، وتحولها الى «غولة» (تجلب الشؤم والخراب في حال خروجها من البيت). مثلت «مليكة» المرأة المتمردة وسط نساء الواحة الخاضعات. كانت «الطائر الحر» كما وصفها خالها الشيخ يحيى وسط «جثث قعيدة»، لتموت في النهاية على يد عائلتها قتلاً، بعدما أمعنت في إضطهادها. كما كانت لوالدتها «خديجة» (دنيا ماهر) حصة في تظهير رغبتها في الزواج، حين أعلنت أمام أمّها أن لديها رغبات جسدية وتريد الزواج. وهذا أمر لافت في الرواية حيث امرأة «تجرؤ» على البوح والتعبير عن رغباتها.