مات هيثكوت ويليامز (1941 ــ 2017) قبل أيام، من دون أن يجد سبباً واحداً يهدّئ من رفضه للعالم. في الأمر مشقّة لا يمكن حصرها بالامتيازات الملكية أو بالغنى الخاص وبالانحدار البيئي وبالقضايا السياسية والبيئية والإجتماعية التي دافع عنها الكاتب المسرحي والشاعر البريطاني بكل الوسائط المتاحة: الشعر والغرافيتي، والسحر، والمسرح والكتابة الصحافية.
«إذا لم تكن القصيدة ثورية، ماذا ستكون غير صف كلمات وأحرف؟» كان الإبن المخلص للتمرّد اللندني في الستينيات والسبعينيات يسأل دائماً. بشعره الأحمر الطويل، ترك الشاب الأناركي «جامعة أوكسفورد» وانصرف إلى ما وجده أكثر جدوى. لا دراسة الحقوق ولا قوانينها، منعته من النزول إلى الشارع للاستماع إلى الحكواتيين السكارى في أحد أحياء هايد بارك في لندن، ونقل أحاديثهم التائهة وأخبارهم إلى مؤلفه الأول «المتكلّمون» (1964)، بأسلوب صحافي. المسرحي البريطاني هارولد بنتر الذي أعجب بالكتاب، شجّع الشاب العشريني على تجريب حظه في الكتابة المسرحية، فجاءت مسرحيته الأولى The Local Stigmatic عام 1966، حول حياة المشاهير الصاخبة، ولهاث الناس العاديين خلف أخبارهم. رأى هيثكوت ما رآه من مآس في العالم، منها مآس الكائنات الحية القابعة تحت سلطة البشر. نشر مقالات للدفاع عن الحيوانات والنباتات، والدلافين والحيتان. كتب قصيدتين طويلتين في الثمانينيات، ضمن ما أسماه الشعر الاستقصائي حول ثيمات بيئية، فيWhale Nation وFalling For A Dolphin. لكن الموهبة اللغوية، لم تأسره أو تمنعه من النزول إلى الشارع مجدداً واستكشاف اللغة في أمكنة أخرى. هكذا ساهم في إطلاق المجلة الجنسية التحررية البديلة Suck، وتولى زعامة الحركة العشوائية للمشردين في السبعينيات. لكنه وجد ضالته في الدولة الأناركية الإفتراضية «جمهورية فريستونيا الحرّة والمستقلة» التي كان من أوّل مؤسسيها، قبل أن تدشن طوابعها وباسبوراتها ومعارضها ومسرحها الخاص، في محاولة مجنونة للإفلات من النظام الملكي البريطاني.