غزة | ثقة بالغة قدمها مستوى لغوي وأدائي ركيك في تسجيل لـ«داعش» يهدد حركة «حماس» وفصائل فلسطينية من «ولاية حلب»، تبعه بيوم واحد هجوم ضخم وواسع لليد الضاربة لـ«داعش» في سيناء على مدينة الشيخ زويد، التي تمثل البوابة المصرية المأهولة الأقرب لقطاع غزة، بعد مدينة رفح، وتقع على بعد 12 كلم من حدوده الجنوبية.
على الطريقة «الداعشية» وبالسيارات المفخخة، قضى أكثر من ستين جندياً مصرياً في ستة عشر موقعاً في آن واحد. استطاع التنظيم الذي يجيد أسلوب العمليات الانتحارية المدعمة بغطاء ناري شديد الكثافة، أن يفرض واقعاً «سياديا» على الشيخ زويد استمر لما يزيد على أربع ساعات، وهو ما يدل على أن القدرة العسكرية للتنظيم تطورت إلى الحد الذي قد يؤهله مستقبلاً لتثبيت أمرٍ واقعي على مساحات شاسعة على تخوم غزة، تمثل نواة لمشروع خلافته الذي ينوي نقله إلى غزة المتميزة بامتلاكها رصيداً ديمغرافياً حياً بالسكان ومقومات الحكم، خلافاً لصحراء سيناء، الفقيرة السكان والعمران.
الزهار: نتعامل
بجدية مع تهديدات «جماعة لا علاقة لها بقتال إسرائيل»

على وقع طبول الحرب التي دقّت في سيناء، تحركت وزارة الداخلية التابعة لـ«حماس» في غزة ونشرت قواتها على طول الشريط الحدودي، فيما لاذ المستوى السياسي بالصمت المُتوقع من ناحية «حماس»، التي تعيش ظروفاً معقدة، إذ تتنازع لغة الموقف من المستجدات الأخيرة مجموعة من المحددات، التي تدفعها إلى تبني موقف متأن، مع الأخذ بعين الإعتبار إمكانية تحول التهديد الداعشي إلى واقع.
القيادي في «حماس»، محمود الزهار، أكد أن حركته ستتعامل مع التهديد القائم بجدية، مضيفا أن «هذه التهديدات ترجع إلى سياق حملات تشنها أطراف دولية وعربية ضد حماس، وتشنها (جماعة) ليس لها علاقة بمقاومة الاحتلال»، لكن تزامن الهجوم في سيناء، مع تصعيد الجهات الأمنية المصرية مستوى تعاطيها مع جماعة «الإخوان المسلمين» بقتل تسعة من قادتها في إحدى الشقق السكنية في مدينة 6 أكتوبر، قطع الطريق أمام ما كان متوقعاً من تناغم سياسي مع القاهرة، تفرض إيقاعه «أحادية العداء» لـ«داعش».
وعلى عكس «داعش» التي حسمت خيارها رسمياً في تكفير تنظيمات المقاومة الفلسطينية وإباحة دمها، يبدو الارتباك مبرراً للصمت في الطرف المقابل، إذ لم تعلق أي من الفصائل على أحداث سيناء المتزامنة مع تهديد التنظيم للقطاع. وبخلاف حركة «الصابرين» ــ الناشئة التي نعت شهداء الجيش المصري، لم تقدم التنظيمات الكبيرة موقفاً واضحاً، وهو ما يمكن أن يُعزى إلى الهرب من إشعال مزيد من العداء الذي يمكن أن يقرّب أجل المواجهة بين غزة و«داعش».
المعطيات الأمنية التي تعيشها الجارة الكبيرة، تنذر بمستقبل أكثر سواداً مما هو عليه واقع الحال في القطاع الآن، إذ سيبدو إغلاق معبر رفح البري أهون المصائب إذا سيطرت «ولاية سيناء» على المدن المصرية المتاخمة للقطاع. في هذا الجانب تبدو سيناريوهات تعاطي فصائل المقاومة، وخاصة «حماس»، محصورة في ثلاثة اتجاهات:
- الأول الدخول مع الجيش المصري في مواجهة خطر «داعش» وهو ما يمثل استعداء لعدد كبير من القبائل البدوية في سيناء المحتضنة لـ«داعش»، التي كان يحسب لها سابقاً المساهمة الكبيرة في إدخال السلاح إلى المقاومة الفلسطينية وتأمين خطوط إمدادها، ما سيوجب على القطاع تقديم علاقتها بها ككبش فداء ثمناً للتحالف الجديد. وهو ما يفتح الأبواب أمام حرب كبيرة من استنزاف قدرات المقاومة في معركة طويلة، الخاسر الأكبر فيها هو الفصائل الفلسطينية، فيما تستمر «داعش» في استنزاف لا محدود، معتمدة على خطوط إمدادها البشرية واللوجستية اللامحدودة أيضاً.
- الثاني الوصول إلى تفاهم ضمني ترعاه أطراف خليجية تقدم تمويلاً خفياً لـ«داعش»، يقضي بتأجيل المواجهة مع «حماس» بضمانة صيغة تفاهمية تحكم حالة الأمر الواقع، وربما تنتهج الحركة خطاً ناعماً في تصريحاتها اتجاه الحالة السلفية ككل، حفاظاً على إمكانية الحاجة لهذا السيناريو.
- الثالث هو الترقب والانتظار لما ستؤول إليه المعركة في سيناء، وتجنب المواقف الصارمة اتجاه أي من الأطراف، وهكذا ستتعاطى «حماس» مع الواقع المفروض بما يناسبه من تصعيد، دون الجنوح إلى أي خطوة وقائية اتجاه ما هو مقبل مع ارتهانها إلى قدرة الجيش المصري على السيطرة ولو الجزئية. هذا إذا تفاءلنا بقدرة الجهات الأمنية في غزة على السيطرة على الجيوب السلفية التي تدين بالولاء لـ«داعش»، إذ تشهد هذه الجيوب تنامياً متصاعداً، وتربطها بحكومة "حماس" في غزة علاقة ثأرية يعود تاريخها إلى أحداث مسجد بن تيمية التي قتل فيها القيادي السلفي البارز عبد اللطيف موسى برفقة ثلاثة عشر مسلحاً من أنصاره عام 2009.
على صعيد الخيارات السياسية المطروحة، واستناداً إلى مستوى التعقيد البالغ في الجانب المصري، ربما تجد «حماس» نفسها مضطرة للتعاطي بإيجابية مع أي مقترحات من شأنها فتح آفاقٍ مرحلية جديدة مع إسرائيل، اتجاها إلى حقبة سياسية ستعيد أدلجة العقل الجمعي الفلسطيني لتقبل خيارات وطنية سقفها أدنى من مكتسبات اتفاقية أوسلو، ولكن هذا قد يصطدم بعامل مفاجئ آخر، إذ إن غالبية المحللين الذين يخرجون على الشاشات المصرية، فضلا عن مجموعة من «الخبراء»، عادوا إلى الطريقة القديمة لتفريغ أسباب الإخفاق الأمني، وذلك بتحميل غزة المسؤولية، باعتبار أن بعض الأنفاق لا تزال تعمل، وبدلالة أن صواريخ «الكورنيت» التي استخدمت في «هدية رمضان» الداعشية (راجع عدد الأمس)، كانت قد استخدمت في الحرب الأخيرة على القطاع، متناسين أن سيناء هي في الأساس ممر السلاح إلى غزة من عدة اتجاهات في العالم.