ورد في برنامج هذا العام لـ «مهرجان قرطاج الدولي» عرضٌ للكوميدي ميشال بوجناح بتاريخ 19 تموز (يوليو) 2017. وتابعنا عبر الإعلام (على موزاييك «أف. أم» بتاريخ 23 حزيران/ جوان) تصريحات غريبة لمدير المهرجان السيّد مختار الرصّاع.
إذ عبّر في مرحلة أولى عن جهله بكون الكوميدي المذكور صهيونياً مناصراً لكيان التمييز العنصري الذي يحتل أرض فلسطين منذ 1948. ثمّ في مرحلة ثانية، وعند مواجهته بتصريحات بوجناح نفسه التي يؤكّد فيها صهيونيته، بادر مدير المهرجان إلى تبرير دعوة بوجناح بـ «كونه ليس صهيونياً كبيراً أو من قادة الصهيونية» وبما يعرفه عنه من «مواقف جيدة تجاه تونس» وبـ «أنّ ذلك سيساعد في تحسين سمعة تونس».
إنّ هذه التصريحات الخطيرة تنمّ على ما هو أكثر من الجهل وعدم الالمام على ما يبدو. هي تعبّر عن استخفاف سافر بمشاعر الشعب التونسي ومواقفه التاريخية في نصرة القضية الفلسطينية. كما تدلّ على عدم تورّع بعض المسؤولين عن الثقافة والفنّ في بلادنا عن توظيف أموال الشعب ومؤسسات الدولة ومنابرها الثقافيّة لفرض مواقفهم الايديولوجيّة المرحّبة بالتطبيع مع الصهيونية ورموزها.
إنّنا في الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني ندعوكم إلى إلغاء برمجة هذا العرض المستفزّ للأسباب التالية:
عُرف ميشال بوجناح كأحد أهم الوجوه الفرنسية التونسية الصهيونية التي طالما دافعت عن «إسرائيل» وحروبها وجيش احتلالها (خاصّة في وسائل الاعلام الفرنسي). هو يعترف بنفسه ويفتخر بكونه «صهيونياً» (في تصريحات عديدة، من آخرها في 5 شباط/ فبراير 2013 على موقع JSS NEWS) ولا يخفي ولاءه لـ «إسرائيل»، التي زارها وقدمّ فيها عروضه عديد المرّات (وهو يستعدّ بالمناسبة لتقديم نفس العرض المبرمج في قرطاج في مهرجان تلّ أبيب يوم 25 الجاري). إذ يقول في إحدى مقابلاته الصحافية: «نحن يهود الشتات، لا نملك أي طريقة لضبط النفس عندما يتعلّق الأمر بإعلان إعجابنا بإسرائيل». نعم، ميشال بوجناح مُعجب بـ «إسرائيل»، العنوان الأبرز للاستعمار والتمييز العنصري في عالمنا. وهو نفس الكيان الذي اقترف على أرضنا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي جريمة اغتيال الشهيد المهندس محمّد الزواري، والتي ما زال التونسيون ينتظرون اتّخاذ دولتهم الإجراءات الكفيلة بالاقتصاص من مرتكبيها.
بل إنّ الكوميدي الصهيوني لا يكتفي بإعلان هذا الإعجاب، إذ يعتبر نفسه جزءاً من «الشعب الإسرائيلي»، كما يعتبر مجرميْ الحرب أرييل شارون وإسحق رابين من «كبار رجال السلام» (في حوار له في سنة 2010، نشر على موقع SVP Israel). «رجال السلام» - كما يراهم ميشال بوجناح- هم من قتلوا لا الفلسطينيين فحسب بل اللبنانيين والأردنيين والسوريين والمصريين والتونسيين كذلك. ومن المعلوم أنّ إسحق رابين كان وزير دفاع حكومة إسرائيل سنة 1985، وهو المسؤول الأول عن «عملية الساق الخشبية» التي استهدفت تونس (حمّام الشطّ) وقُتل فيها ثمانية عشر مدنياً تونسياً وجُرح فيها أكثر من مائة، واستُبيحت فيها سيادة الجمهورية التونسية.
يؤكّد ميشال بوجناح أنّ «الحرب اليوم لا تُلعب على الميدان فقط بل على شاشات التلفاز» (في الحوار نفسه أعلاه). ونحن نؤكّد صحّة كلامه. إذ شاهدناه عديد المرّات يبرّر ويدافع عن جرائم «إسرائيل» وجيشها على شاشات التلفزيون الفرنسي وفي وسائل اعلامه. وتحديداً لكونه باعترافه وعبر ممارساته المُثبتة، جزءاً من آلة الحرب الصهيونية، ندعوكم إلى عدم فسح المجال له لكي يُمارس حربه الدعائيّة فوق أحد أعظم مسارحنا ومعالمنا الثقافية والتاريخية، الأمر الذي سيتيح له أيضاً الولوج إلى شاشات التونسيين (من خلال تقارير أو لقاءات تلفزيونية حول العرض).
لقد أكّد دستور الجمهورية التونسية في توطئته على الانتصار لحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني. كما أكّد على مناهضة كل أشكال العنصرية. وتجسيداً لهذه المبادئ الدستورية والانسانيّة، وباعتبار الصهيونية أحد أبشع مظاهر العنصرية والاحتلال في عصرنا الحديث، فإنّنا نرى أنّه من واجبكم السهر على منع كلّ أشكال التطبيع الثقافي مع هذه الحركة، المتجسّدة على الأرض، في الكيان الاستعماري المسمّى «إسرائيل»، وكذلك مع كلّ ممثّليها والمدافعين معها والمشيدين بها، أو المتعاونين معها، بغضّ النظر عن الجنسيات التي يحملونها.
هذا ونحملّ السلطة السياسية مسؤولية تواصل هذه الأنشطة التطبيعيّة، وتجاهلها للمواقف التاريخية لشعبنا، وقواه الحيّة، ونصرته المطلقة لنضال الشعب الفلسطيني. وذلك بدءاً من تطوّع الآلاف للقتال بغية تحرير فلسطين منذ 1948، وصولاً إلى المظاهرات العارمة المطالبة بتجريم التطبيع إثر الجريمة الصهيونية باغتيال الشهيد محمّد الزواري من أمام بيته قبل ستة أشهر، وإلى الحملة الأخيرة من أجل الغاء عرض فيلم تلعب دور البطولة فيه ممثّلة صهيونية.
كما ننوّه مجدّداً إلى خطورة التداعيات الممكنة لتواصل السكوت الرسمي عن هذه الأنشطة التطبيعيّة المخزية مع كيان العدوّ وممثّليه وأنصاره، بل المساهمة فيها (نذكّر بوجود وزيرين مطبّعين في الحكومة الحالية)، ولاستمرار استفزاز مشاعر أغلب التونسيين وتجاهل مطلبهم وقواهم السياسية والاجتماعية، بسنّ قانون لتجريم كافّة أشكال التطبيع.
وفي الختام، نأمل الاستجابة لمطلبنا بإلغاء هذا العرض أو استبداله، وإعلان ذلك في بلاغ رسمي يصدر عن الوزارة أو هيئة المهرجان.