موسى الفلسفة شعلة أوقد وهج الحرية سراجها. مضى بتلك الشعلة مذ أينعت أفكاره ثمار تميز وفرادة. تصوراته، أفاهيمه، يومياته، وحتى آهاته كانت مفعمة بنسغ البحث في الميتافيزيقا، كثيراً ما كان يردد، مع كل كبوة فكر... علينا البحث في الميتافيزيقا.
موسى الفلسفة الباحث في العقل المحض عن راحة العقل، وعن القول الفلسفي بالعربية مضى بهدوء الحكمة وألق القداسة وهو يقول بإمكان الفلسفة أن تنطق العربية ولكنها إنسانية إنسانية.
موسى الفلسفة نبي كان من بالغ حكمته أنه ترك لنا الكثير من المعيوش والمعاش. ترك لنا أفاهيم، قوية كما هو، جدية كما هو.
لقد زرع في كيان كل منا، نحن طلابه، نتفاً من نبضه ووحيه.
لقد قالها أثناء مناقشتي للماستر، إذا لم يقض للطالب أن يفوق أستاذه، فذاك يحمل معنى واحداً، هو أنّ الأستاذ فاشل.
بكل تلك الروحية الصافية الشفافة، بكل تلك المناقبية الغالية العالية. رحل أستاذ معظم المشتغلين بالفلسفة.
رحل موسى وهبة. موسى الفلسفة وترك في الوجدان غيضاً من ملكوته العاشق للفلسفة.. وفيضاً من الوجع يسكننا كلما اجتمعنا. فموسى الملهم كان لنا الأب والرفيق والأخ والصديق، وكل ما يحتويه جنان المرء من شغف.
كأنه ذاك الطفل اللاهي في أعماق كل منا، موسى الكلمة على وزن أفعول. موسى القول القدير الناغم المتزن.
برحيلك موسى خسرت الميتافيزيقا، الملكة المخلوعة عن عرشها إمكانية مملكة معاصرة لها. برحيلك دخلنا عهد الصمت عن الأسئلة المقلقة. وخسرت الميتافيزيقا الملكة من يدافع عنها.. الميتافيزيقا الملازمة لطبيعة العقل كرغبةٍ عليا ربحتك اليوم ملكاً على عرشها.
رحلت وخسر السلام في جمهورية العقل فارسه الذي حاول ترميم ما خربه القول العربي في الفلسفة. وأعاد للمرذولة الغربية بعض سلطتها.
اليوم أستعيد سؤالك هل أنت يا موسى خالدٌ أم فانٍ.. فأدخل عهد الصمت عن السؤال المقلق.
لكنك خالد في ذمة كياننا الممتن إليك بنعمة النظر في التغيير، تغيير نظرتنا للعالم.. لا تغيير العالم كما كنت تقول.
رحلت أيها الكبير القدير وخلّفت لنا أتباع موسى، عسى أن يبزغ لنا فجر من كوة وحيك الفلسفي النيّر.
سلام لك موسى وهبه، سلام لا يني يتجدد ما تاق بنا الوجد إليك. وإلى اللقاء أيها المفارق الرائع.

* أستاذة الفلسفة المعاصرة في الجامعة اللبنانيّة