التجارب الاجتماعية ليست جديدة على المشهد الإعلامي العربي عموماً، واللبناني خصوصاً. بعدما ظهرت خلال السنوات الماضية في فقرات ضمن برامج مثل «بلا طول سيرة» (المستقبل) و«حكي جالس» (lbci)، وُلدت برامج تتمحور أساساً على هذا النوع من الأعمال.
أبرز المشاريع التلفزيونية التي تعتمد هذا المنهج ولاقت رواجاً في العالم العربي خلال السنوات الماضية، هما «الصدمة ــ The Shock» الذي عرضته شبكة mbc السعودية في رمضان عامي 2016 و2017، و«مش إنت» الذي أبصر النور على قناة «الجديد» خلال العام الحالي وتُعاد حلقاته حالياً.
لا شك في أنّ علمي الاجتماع والنفس متداخلان ومتقاطعان مع الإعلام. استناداً إلى هذا المبدأ، تحاول البرامج التي ترتكز إلى التجارب الاجتماعية تسليط الضوء على واقع معيّن من خلال مواقف منفّرة تقيس من خلالها ردود فعل عامّة الناس. وبينما تظهر هذه الاختبارات التي تتطرّق لمواضيع اجتماعية مختلفة (حسّاسة ومهمّة حياناً) تصرّفات أو انفعالات سلبية للمُختَبَرين الذين عادةً ما يُنتقون عشوائياً، تضعنا في أوقات كثيرة أمام نماذج إيجابية جداً تبعث على التفاؤل.
إعلامياً، تقع التجارب الاجتماعية المصوّرة والكاميرا الخفية بالمبدأ في خانة تلفزيون الواقع، وقد حظيت أخيراً بانتشار وشعبية كبيرَيْن في الغرب، خصوصاً على يوتيوب حيث نجد كمية كبيرة من الاختبارات القصيرة التي تجرى في الشوارع والأماكن العامّة في بلدان مختلفة، محاولة رصد ردود فعل الناس إزاء مواقف محدّدة تُقنعهم بأنّها حقيقية، مستعينة بمتطوّعين لتجسيد بعض الأدوار، في الوقت الذي تسجّل فيه كاميرا خفية كل ما يجري. ومن بين الفيديوات الشهيرة، نذكر التجربة التي أجراها آدم صالح، اليمني المقيم في الولايات المتحدة، لمعرفة رد فعل الناس في شوارع أميركية في حال حاول أحدهم نزع حجاب فتاة مُسلمة.

أجرى آدم صالح اختباراً
لمعرفة رد فعل الناس في
أميركا في حال حاول أحدهم
نزع حجاب فتاة مُسلمة


إذاً، من رحم تلفزيون الواقع تخرج هذه البرامج التي تخلط بين الـ social experiment والكاميرا الخفية، ويسير «الصدمة» و«مش إنت» على دربها. أما لائحة المواضيع التي تتناولها فكثيرة، وتشمل السرقة بدافع العوَزْ، وإهانة ذوي الاحتياجات الخاصة، والإساءة لكبار السن، والتحرّش...
تعليقاً على هجمة المنتجين على هذه الفئة، أكد مدير برامج تلفزيون الواقع في شبكة «فوكس» الأميركية، سيمون أندريا لموقع «هوليوود ريبورتر» أنّ السبب يعود إلى أنّ «الطبيعة البشرية مثيرة للاهتمام، بخيرها وشرّها، واختبارها مصدر تشويق كبير للناس». هنا، لا بد من الإشارة إلى أنّه غالباً ما يُنظر إلى تلفزيون الواقع من منطلق البرامج التي تنقل إلى الناس تفاصيل الحياة اليومية، إمّا لأفراد عائلة واحدة كما في Keeping Up With the Kardashians، أو لأشخاص يخوضون مغامرة مثلما حدث في Utopia (فوكس) الذي يتتبع مجموعة تحاول الحفاظ على مجتمع في منطقة نائية. المغامرة تسيطر كذلك على أجواء برنامج Naked and Afraid (ديسكوفري) الذي يسرد في كل حلقة تفاصيل حياة امرأة ورجل استطاعا البقاء على قيد الحياة (survivors)، يجتمعان للمرّة الأولى ويوضعان أمام تحدّي العيش في البرية عاريَيْن لمدّة 21 يوماً. وبعد الاجتماع في المنطقة المحدّدة، يصبح على الثنائي إيجاد و/ أو إنتاج المياه والغذاء والمأوى والملبس في هذه البيئة الصعبة. إلى جانب برامج المواعدة الكثيرة، هناك أيضاً Famous in 12 (على CW) الذي يتمحور حول عائلة تجرّب بلوغ الشهرة في غضون 12 أسبوعاً، عبر الانتقال إلى مدينة لوس أنجليس الأميركية وخوض سلسلة من التحديات التي تركّز على موهبة كلّ واحد منهم.
لكن خارج أروقة المحطات، وقبل زمن طويل جداً، استخدم مبدأ «التجربة الاجتماعية» لتقييم برامج اجتماعية جديدة أو في مسارات تغيير القوانين مثلاً، وقد بدأت في الولايات المتحدة لاختبار مفهوم ضريبة الدخل السلبية في أواخر الستينيات. وقد شهد العالم تجارب بارزة أحدثت تغييراً ملموساً على الصعد النفسية والسلوكية والاجتماعية (راجع الكادر).
بالعودة إلى ما شاهدناه على mbc و«الجديد»، لعلّ أكثر المشاريع التلفزيونية الغربية قرباً إليهما هو Cam Clash من تقديم باتيست إيتشيغاري. في عام 2014، عُرض البرنامج الفرنسي للمرّة الأولى على شاشة «فرانس 4» وعلى قناة خاصة به على يوتيوب، حاصداً نسب مشاهدة عالية تلفزيونياً وإلكترونياً. حتى أنّ موقع صحيفة «لإكسبرس» الفرنسية سبق أنّ أكّد أنّ الاختبار الذي جرى في المترو في باريس ورصد التعنيف اللفظي الذي تعرّضت له امرأة محجّبة هناك، حظي بأكثر من 600 ألف مشاهدة على الشاشة الصغيرة فقط. وفي الوقت الذي أكدت فيه أنّCam Clash يفتح ملّفات حسّاسة مثل رهاب الأجانب والعنصرية والتمييز على أساس الجنس في إطار سعيه لدفع المجتمع إلى «تحمّل جزء من المسؤولية إزاء ما يجري»، رجّحت «لإكسبرس» أنّ هناك من يتابعه فقط بدافع «التلصّص والحشرية والاستمتاع بالمشاهدة، قبل أن يسيطر عليه الملل، من دون أن يكون لما يشاهده تأثير على سلوكه». رأي قد يكون صائباً إلى حدّ بعيد، خصوصاً أنّه بعد بدء عرض الموسم الرابع من Cam Clash، توقفت «فرانس 4» عن عرضه على خلفية تدنّي الـ «رايتينغ»، وصار بإمكان الراغبين متابعته على يوتيوب حصراً.
فهل تراهن «الجديد» مجدداً على «مش إنت» ونشهد حلقات جديدة بعد الإعادات الحالية، ويخرج موسم ثالث من «الصدمة» إلى النور على mbc، أم أنّ الحسابات ستتبدّل؟




أشهر التجارب

تعود أصول التجارب الاجتماعية إلى عقود وهي مختلفة الأهداف. يعدّ اختبار «ملغرام» الأكثر شهرة في مجال علم النفس الاجتماعي، وهو يُعنى بدراسة مدى انصياع البشر للسلطة. صاحب هذه التجربة هو الأستاذ المحاضر في جامعة «ييل» الأميركية، ستانلي ملغرام، وهي تهدف إلى قياس مدى استعداد المشاركين لإطاعة سلطة تأمر بتنفيذ ما يتناقض مع قناعاتهم. كثيرون وُضعوا في موقع المسؤولية عن توجيه صدمات كهربائية لأفراد يجلسون في غرفة أخرى حين يجيبون عن أسئلة معيّنة بطريقة خاطئة، بأمر من المسؤول عن التجربة. وفي النهاية، ورغم إظهارهم علامات توتر وعدم رضا، استجاب الجميع لأمر «المسؤول» في نهاية المطاف.
أما فيليب زيمباردو من جامعة «ستانفورد»، فحاول في عام 1971 محاكاة ظروف السجن، عبر توزيع 24 طالباً بطريقة عشوائية على أدوار السجناء والسجّانين. وبعد ستة أيام من بدء التجربة، راحت تأخذ منحى خطيراً فاق التوقعات، لجهة بدء السجّانين في التسلّط على المسجونين، حتى وصل الأمر إلى التعذيب النفسي والإهانة... وهناك مساجين وصلوا إلى درجة اعتبار أنّ الإجراءات القاسية «حق» للسجّانين. قبل ذلك، أجرى سولومون آش، في خمسينيات القرن الماضي اختبارات عدّة لدراسة تأثير آراء الآخرين على آرائنا وتعبيرنا عنها. جرى ذلك من خلال إعطاء بطاقة مرسوم عليها خط واحد لثمانية أشخاص (سبعة منهم متعاونون مع آش وواحد فقط هو المستهدف من التجربة)، ثم إعطائهم بطاقة أخرى عليها ثلاثة خطوط بأطوال مختلفة، وسؤالهم عن الخط الأقرب إلى طول الخط في البطاقة السابقة. بعدما كانت نسبة الخطأ 1 في المئة في ظروف طبيعية، وصلت إلى 75 في المئة مع إضافة ضغط الأغلبية باتفاقها على إجابة خاطئة!
«تأثير المتفرج» تجربة نفسية معروفة تبيّن الاختلاف بين رغبة الناس في مساعدة الآخرين حسب مظهرهم وما يرتدونه من ملابس. الفحص الذي وجد طريقه قبل فترة إلى يوتيوب من خلال فيديو مصوّر، أوضح أنّ الناس يميلون غالباً إلى المساعدة حين يكون عدد المحيطين بهم قليلاً بسبب مفهوم «تشوّش المسؤولية». ما يعني عدم شعور المرء بالمسؤولية حين تكون موزّعة على آخرين كثر.