تقوم الدودة بنسج شرنقة من خيوط الحرير حول نفسها، وتبقى في داخلها في حالة خمول لمدة أسبوعين وبعدها تتحول إلى فراشة. تخرج الفراشة من شرنقتها وعند خروجها تتمزق الشرنقة، وينقطع الخيط الحريري الذي نسجته والذي يبلغ طوله ما بين ثلاثمئة وتسعمئة متر.
دعونا نتأمل عملية التحول هذه ونستخرج منها بعض العبر المتعلقة بطبيعة الحياة. ستحاولون بالطبع، مقارنة ذلك بشروط التحول في حياة البشر، من وضع الدودة إلى وضع الفراشة. وما قد يصح أو لا يصح في المقارنة. سأتوقف بعجل عند ذلك، تاركاً لكم متعة وحرية القيام بهذه المهمة بشكل أوسع.

كيفية التحول

التحول إلى فراشة يتم، نتيجة التفاعل بين الدودة وما أنتجته، بينها وبين شرنقتها، بينها وبين عملها. لا يجري ذلك بسرعة، بل يأخذ وقتاً تتطلبه عملية الإنتاج المحترف، والكامل، الذي جعل من البعض يطلق على دودة القز اسم ملكة النساجين.
التفاعل لا ينجز من خلال الحركة فقط، بل يختمر مفعوله في فترة من الهدوء، من الاستبطان أو الاستدخال إذا شئتم، تقوم به الدودة وهي شبه مخدرة ولمدة أسبوعين. كأنها في فترة حمل وتتحضر للولادة.
التحول إلى فراشة لا يكتمل، دون خرق الشرنقة التي صنعتها الدودة بنفسها. بدون هذا الخرق، هذا الانعتاق، تموت الفراشة في داخل الشرنقة.
لكن الخرق يؤدي إلى قطع الخيط الحريري. إلى المس بنتاج العمل نفسه، وكأن النتاج لم يكن هدفاً بحدّ ذاته، بل وسيلة للتحول.
بين الطبيعة والاقتصاد
هذا لا يعجب بالطبع مربي دودة القز وتجار الحرير. لذلك يقومون بقتل الفراشة وهي ما زالت في الشرنقة. إنها المصلحة الاقتصادية تقضي في المهد، على بوادر التحول.
إذا كانت الشرنقة لم تتحول بعد إلى سلعة، تنطلق الفراشة وتطير حرة في الطبيعة.
بعد أن كانت بشعة ولونها أبيض يميل إلى الاصفرار عندما كانت دودة، تلبس الفراشة أجمل الألوان، وتصبح من أجمل الكائنات الحية.

عندما يقتل تجار
الحرير الفراشة وهي
ما زالت في الشرنقة

تتنقل الفراشة بخفة داخل البيوت وخارجها. وتمر بين البشر بلا خوف ولا حرج، وهم يستبشرون خيراً عند رؤيتها، في حين كان ينتابهم القرف عند رؤية الدودة.
لكن الفراشة، الدودة المتحولة، المتحررة، تبدو سريعة العطب، ركيكة بقدر ما هي رقيقة. لا تكاد تلامسها حتى تفرفط جوانحها، فتقع على الأرض وتلازمها، مستعيدة وضعية الدودة.

التكوين والتحول

الفراشة لا تأكل في فترة حياتها، وهي تملك فماً بدائياً. عمرها قصير ولا تعيش أكثر من عدة أيام، وتموت فوراً بعد أن تضع بيضها. هل البيئة المستقبلة للتحول، لا تسمح للفراشة بالتأقلم، فتموت سريعاً؟
هل كانت الفراشة لتعيش أكثر، لو لم يشوه الإنسان بيئته؟ أترك لأصدقائي البيئيين الإجابة عن هذا السؤال الصعب.
ليست فراشة ما يخرج من البيضة التي تضعها الفراشة، بل دودة. وعلى هذه الدودة أن تعيد تجربة أمها، حتى تستطيع التشبه بها. لا يكتسب التحول والانعتاق وراثياً، بل عن طريق الممارسة الدؤوبة.
لا عجب أن تنجب الفراشة دودة، فهي في تكوينها الأصلي دودة، ويبدو أنها لا تحب أن تتنكر لأصلها، رغم تحولها، أو ترقيها، بحسب مفاهيمنا البشرية.




عودة أم خروج

الفراشة تعود لأصلها، لأنها تعرف بالتجربة، أن الدودة تخفي خلف مظاهر بشاعتها، جمالاً وألواناً، وتختزن في أحشاء بطنها الزاحف، طاقة للتحليق والطيران.
وإن كل ما تحتاج إليه الدودة للتحول، هو فرصتها لصناعة شرنقتها الخاصة، وحقها بالخروج منها، عندما تقرر أن تطير.