هم العمّال المتجهون إلى وظائفهم ومصانعهم مشياً على الأقدام كل يوم. هم الأطفال الذين يتعلّمون في مدارسهم أن حبّ الوطن هو كحبّ الأم. هم أهل بيونغ يانغ الطيبين حدّ الخجل. هم المتعَبون من ظلم العالم بأسره. هم الكادحون لكي يبقى في الدنيا من يقف بوجه الإمبريالية بكل أشكالها. هي الشمس التي تشرق على وقع الموسيقى وعجلات المصانع.
هي الدولة التي تحرص، رغم الحصار، على طبابة وتعليم مجانيَّين وحدائق خضراء ورياضة متفوّقة وتعليم موسيقي مبكر. هم الأجساد غير المتخمة والوجوه النحيلة، همومهم اليومية أكبر من الجبال. اتركوهم بسلام لا تزيدوا الحِمل أكثر.
تتحدثون عنهم باستعلاء وسخرية، تصفون عالمهم بـ«المغلق»، وتعيّرونهم بأنهم «متشابهون حدّ التطابق». بالله عليكم انظروا في المرآة وفي الصور المنتشرة على مواقع تواصلكم «الاجتماعي»، أنتم المتشابهون حدّ الضجر. متطابقون في أشكالكم البعيدة عن هوياتكم وفي طريقة كلامكم ولباسكم وابتساماتكم ونكاتكم وموسيقاكم السائدة وغياب تجاعيدكم وأشكال علاقاتكم حتى الحميمة منها، وفي طرق عيشكم بأصغر تفاصيلها. انظروا من حولكم، ثقافتكم السائدة تعزل الرؤوس الحرّة وأفكاركم المعمّمة تصنّف المختلف «رجعياً». تتغنّون بحرّيتكم والعنصرية تزداد كلما زاد انفتاحكم، والانغلاق يستفحل كلما زالت الحدود. أنتم أيضاً مسوّرون، وسوركم ضخم بينما سور كوريا... عظيم!
لن أدّعي معرفة الحقيقة حول حياة الكوريين وحالتهم النفسية وكيف يفكّرون. لم أسألهم إن كانوا سعداء، ولم أتأكّد إن كان حبّهم لقادتهم حقيقياً، لكن الأكيد أن حبّهم لوطنهم مدرسة. هم متعبون ويعترفون بذلك حتى في أغنياتهم. هم صادقون، وهذا لا يحتاج إلى سؤال، النظر في عيونهم يكفي. يعلّمونك اللطف وهم أكثر الشعوب معاناةً. يغفرون لنا وهم المتخبّطون في أزمات لا ذنب لهم فيها، يغفرون لنا نحن الذين وقفنا متفرّجين. لن أدّعي أن الكوريين بألف خير، ولن أتكهّن بما هو الأفضل لهم، بل سأصمت وأحيّي تعبهم اليومي المنتج. سأصمت أنا بالذات، الصحافية ـ السائحة الآتية من لبنان. إذ كيف لزائر آتٍ من بلد القمامة والبراز في الطعام والمجارير في المياه والسمّ في الدواء أن يشعر بالتفوق على أي بلد آخر في الكون؟!
قد نستأهل ما تعمّمه علينا أميركا والغرب من ثقافة مفرطة في السرعة والتسطيح الفكري، وقد نستأهل صواريخ نووية من شعوب مظلومة لا نريد أن نرى مآسيها... لكن بالتأكيد لا أحد في العالم يستأهل لطف الشعب الكوري وابتساماته الخجولة. لذا، دعوهم وشأنهم، فهم لا يريدون شيئاً منّا. دعوهم بسلام، وكفّوا بلاءكم عنهم. ربما، حينها فقط، قد تتنبّهون إلى حياتكم أنتم وتنظرون في عيون أحبّائكم فترون عمق مأساتكم وتبدأون بالمقاومة.