سأروي لك حُلمَ البارحة
حلُمٌ طاردني
وانفتحتْ فَوقي مثلَ جناحٍ
شفتاهُ. ركعتْ فوقَ الماءِ
الغاباتُ
وارتجفتْ أيّامي وسجدْتُ
طويلاً تحتَ فضاءِ غنائي
الصامتِ، وانحدرتْ نحوي الأصواتُ
تائهةً، من كلِّ فمٍ كانَ يناديني
ويُتابعُ بين الأنهارِ رحيلي
مختبئاً في جُحرٍ
أو في جسدِ امرأةٍ
تخرجُ من بيتٍ
في أقصى الأرضِ، وتسعى
للقائي.

أجبِلُ ناراً ضيِّقةً

أجبِلُ ناراً ضيِّقةً
من نبضي لأُريحَ على الشُّعلةِ وجهي
لأسرَّ فوق دريئةِ نوحي سحباً من أوردتي
دمُها حلمُ الأجناس الباحثُ عنّي.

النارُ مفاتيحُ.

العالمُ نهرٌ يجري بين ضلوعي.

أنزلُ من سمْت الصرخةِ، أسكنُ تحتَ حياتي

فاجئتَ حياتك...

فاجأتَ حياتَكَ هذا اليومَ
وأنتَ الضيفُ الهابطُ نحو القرية
تهربُ بينَ أزقَّتها السريَّةِ
نحو الحتفِ، إلى ظلٍّ شمسيٍّ يتجلّى
بينَ البابِ الْمُغلقِ في بيتِ أبيك، ونارٍ
تسقطُ فوقَ جبينِكَ، شمسٌ تُدلّي مرساةً
عبر الوطنِ الأحدب.
أيّان ترابطُ أو تتنكّر
كالذئبِ على بطنِ الصحراءِ
كلونِ قميصٍ يُنشَلُ من بئرٍ،
تجدُ الشعلةَ. تجدُ الهولَ المتقدّسَ في
كلِّ وصولٍ
في كلِّ مغادرةٍ تجدُ الشعلةَ
كلُّ خطاك، سلالاتٍ تزحفُ أو تهجُمُ أو تحبو
تُجتَثُّ أباً عن جدّ
كلّ عيونك: في جبهاتِ المقتولينَ.
الأحياءِ المطمورين إلى الأعناقِ المحمولين
على فِقرَ الأنهار
الدمويّة،
يدفعُني في طينِ الحاناتِ إلى حَتْفي
أتوازنُ فوقَ متاهةِ عينكَ حيثُ يحومُ الجرحى
ولعابُ الذئبِ يسيلُ على ظهرِ القطعان

قطارُك يصدأ في رحلاتٍ ملغيّة.

منذُ الآنَ أراكَ
ورأسُكُ مرساةٌ تعرفُ عمقَ محيطي
بين يديكَ ونارِ رَحيلي
الأرضُ موائدُ مأدُبةٍ
فانوسُ الأجدادِ على رابيةِ الرعيانِ
وأنا راعٍ
تلطمُ ريحُكَ صدري
بتنفُّسكَ الألفيّ الورقات
تسحبُ شمساً عبر نُعاسِ النهر
وفي يدِكَ المثقوبةِ بصراخِ الأحياء
خطٌّ أتبعُهُ بعصايَ
على حَدَباتِ الصبحِ
وصولي
ميلانُ الشمسِ عن السمْت الأقصى
كلُّ يدٍ تصعدُ في رَجمٍ
من وهمِ الله، وتحتَ حواجبِ طفلٍ
يتقرّنُ بمنيِّ التكوينِ، تهيءُ سيرتَهُ
في المستقبلِ لخطتِك الناريّة هذه، إذ
تجدُ الشعلةَ، تجدُ الشعلةَ حينَ تكونُ الشعلةُ قد
أَفْنَتْكَ
وتحتَ عظامِ جناحيها
يأكلُ آباؤك جلدَ الأعداءِ
يتقدّمُ أبناؤكَ أمواجاً أمواجاً
من ثقبِ الإبرة، فوقَ جُسورِ الحَرْبة
وإذا سِرتَ
كما سِرْتَ، وفي وجهك ريحٌ
والريحُ معاكسةٌ، والحتفُ دنيءٌ والموتُ براءتُه
والأرض يمامةُ أجدادِك، تنتفضُ التربةُ وفي حمّى
تغلي أنوارٌ
تُستعصمُ كلُّ خليّةٍ
من دَمِكَ المؤرَقِ، شيءٌ إنسانيٌّ، طينيٌّ، ربّي
يجرفُ نفسَهُ نحوَ العالم، من سمْت الألمِ الأقصى
وإذا سِرتَ
وكانت ريحٌ تَنْشَبُ صرختَها
في رايةِ حتفِكَ، عنفٌ يجمحُ في
الطبقاتِ الناريّة تحتَ
حياتِكَ، تحتَ جُلودِ الشيطانِ أو الله
وتحتَ حياةٍ تتجلّى
في قلبِ إرادتها أنتَ، إذا سِرْتَ
وذا كلّه أنتَ...

والرايةُ أنتَ

الأرضُ تعويذةٌ تتراءى

الأرضُ تعويذةٌ تتراءى
لعينٌ من يختفِي في يَدَيْها
يُنيم ألغازَها بالقراءةْ
يستلْفتُ النارَ في حنينٍ
بِعُدّةِ الصمْتِ والبراءةْ
فمنْ تكونون أنتُمْ؟ وماذا
أخّرني لحظةً
وتتناءى

أربع قارّات مغطّاة بشَعْر امرأة

يداكِ تضيئانني
وتضيئان رملَ الطفولةِ
بينَ خرائبِ قلبي.
يداك جنائزُ تخفقُ في موجةِ الليل -
تخفي القصيدةَ والطفلَ في بيتِ دمعهْ
وليس سوى التوأمين محاطين باللحمِ والعاصفهْ
يداك! ومذّاكَ كنتُ أجيعُ يدَ الموتِ
مفتوحةً تسْكبُ الانتحارْ

وأمدَحُ عينيكِ. إنَّكِ مِلْحُ الشموس القديمهْ
وعيناكِ لي
غُرفتا انتظاري.

من الماءِ
يولَدُ حُبّي
من الزهرةِ الملحُ
من وحدتي رايةُ التعبِ
من فرَحي قدماكِ
واطفئي
نارَ البكاءِ التي خرجتْ
من سباتِ طيورِك
ومن بيتِ شهْوتنا المرتفعْ

ومن يتولّى رعايةَ لحمكِ بعدي؟

سأرعى يديكِ
وفياً كراية حربِ
وأرعى محارة حبّي
وفيّاً، وفيّاً

لأنَّكِ ضوءُ التجاعيدِ
فوقَ لساني الصديق لنهديكِ
ضوءُ المياه السعيدهْ

لأنَّكِ غُصْنٌ لأسنانِ يوسفْ.

رأسُ السماء ينحني

رأسُ السماءِ يَنحنِي
على الظلامِ، شَعْرُها الطَّافي على الحُقُولِ
يسحرُ لحمَ الأرضَ بِالْمَاضِي
ويرعى غابةَ العويلِ.
أنا الدماءُ في فم التمثالْ
أنا الفمُ النائمُ في الكحولِ
أُحرّكُ الجنّةَ في أوعيةِ الأفعالْ
أنا عويلٌ دائمٌ
يُسلمُ نهديه لنارِ الزمانِ الصريعةْ
خرائبُ القصْد تنامُ، في الندى والوقتْ
ونلتقي، أنا ومفتاحٌ -
على بوّابةِ الطبيعةْ

آنَ لنا أن نصمتَ...

آنَ لنَا أنْ نصمتَ يا زَمَني
أنْ نسحقَ هذا الظلَّ
ونجهلَ تلكَ التفَّاحة
يملؤها اليأسُ ويملؤها الخطأُ
ما عدتَ سوى رأسٍ خشبيٍّ
نَسَوِيّ الشعرْ
يتيّبسُ في الميناءِ رويداً
وسيغمركُ الصدأُ
الأيامْ
خسرتْ صوتي
ويدُ النسيانْ
تحفرُ لي غرفاً فارغةً
وأموتُ، فتمتلئُ

إلى ت

أنتِ التي تنتظرينَ جسدي
تنتظرينَ وجهي، سوفَ تذهبين

خاصرةً مليئةً بالنهر
بالأطفالِ والمآسي

تمتلكينَ النومَ في الحقول
والعواصفَ المخفاةَ في غرفةِ رغبتي

تسيرُ نحوك الجفونُ المسدلة
أفقاً صغيراً راسْماً موته
تسيرُ نحوكِ الجفونُ المسدلة
مدينةً حرّكها ماءُ البكاءْ

مدينةً تحطمتْ أطرافُها
قربَ مياهِ الحبِّ. لمْ تصلْ. ولنْ.

* مقتطفات من «سيرة ناقصة» (قصائد أولى/ شعر)، و«عاصمة آدم» (شعر)، و«رسالة إلى صديقة في مدينة محاصرة» (شعر) التي تصدر قريباً عن «منشورات الجمل»