لا تمنع عمليات القمع والاعتقال والتعذيب، التي تمارسها الجهات الأمنية البحرينية، استمرار تدفق الأسلحة الغربية على المملكة، التي صنفتها منظمة «فريدوم هاوس» من بين «الأكثر قمعاً في العالم».
تدفقٌ تجلّت آخر مظاهره في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حيث أُعلن، خلال «معرض ومؤتمر البحرين الدولي للدفاع 2017» (بايدك 2017)، عن صفقة ستشتري المنامة بموجبها 16 طائرة مطورة من طراز «إف 16» بقيمة 3.8 مليارات دولار، من شركة «لوكهيد مارتن» الأميركية، في اتفاقية وُصفت بأنها «ضرورة استراتيجية» نظراً الى دور البحرين في العمليات العسكرية لـ«التحالف العربي» في اليمن، في إشارة إلى العدوان الذي تقوده السعودية وتشارك فيه البحرين على هذا البلد.
في اليوم نفسه، وفيما كان الطرفان يشربان أنخاب الصفقة، كان النائب العام البحريني، علي فضل البوعينين، يُقرّ صراحةً، أثناء محاضرة استضافتها كلية الحقوق في جامعة البحرين، بوجود التعذيب في مراكز الاحتجاز البحرينية.

التأخير في بيع
طائرات مقاتلة إلى البحرين يُرهق العلاقة مع واشنطن
ودافع البوعينين، المتهم بالتورط شخصياً في قضايا تعذيب، عن بلاده بالقول: «ولكننا بشر، وتصدر منا أخطاء، وإذا حدثت في الماضي فإنها محدودة، ولا ترقى إلى حد الممارسات الممنهجة»، معتبراً أن النظام القضائي في البحرين «يمثل نظاماً نموذجياً في استقلال القضاء».
وكانت 23 منظمة حقوقية دولية قد طالبت، الشهر الماضي، بتطبيق قانون «ماجنتسكي» (الذي يخوّل الرئيس الأميركي فرض عقوبات على المواطنين غير الأميركيين) على البوعينين، الذي تتهمه تلك المنظمات بإخفاء ثلاثة ناشطين نُفذت بحقهم عقوبة الإعدام (وهم علي السنكيس وعباس السميع وسامي مشيمع) للتعذيب الممنهج أثناء استجوابهم، ورفضه التحقيق في القضية التي «شابتها منذ البداية انتهاكات جسيمة».
بالإضافة إلى صفقة الـ«إف-16»، منح «البنتاغون» شركة «أوربيتال إيه تي كيه» للدفاع التقني عقداً لتزويد المنامة بمحركات دافعة لصواريخ «سايد وايندر»، متجاهلاً انتهاكات حقوق الإنسان التي دفعت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، إلى تجميد تسليح المملكة في أيلول 2016.
ويبرر المعسكر المؤيّد لرفع الحظر موقفه بالتحذير من تداعيات هذه السياسة على العلاقات مع المملكة، التي تستضيف الأسطول الأميركي الخامس. هذا ما عبر عنه قائد القيادة الوسطى الأميركية، جوزيف فوتيل، أمام الكونغرس، الشهر الماضي، حين قال إن «التأخير في بيع طائرات مقاتلة إلى البحرين يرهق العلاقات الثنائية».
بريطانيا، من جهتها، لم تعقد صفقة تسليح مع البحرين خلال «بايدك 2017»، إلا أن الجهة المنظمة للمعرض كانت شركة «كلاريون» البريطانية، التي وصف رئيس قسم الدفاع فيها والمدير السابق في وزارة الدفاع البريطانية، سيمون ويليامز، «تنظيم هذا الحدث المرموق» بأنه «شرف عظيم»، رافضاً التطرق الى الانتقادات التي وجهتها المنظمات الحقوقية للشركة.
وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم «حملة مناهضة تجارة الأسلحة»، أندرو سميث، أن «الشعب البريطاني لا يريد أن يتم إنفاق أمواله على الترويج لمبيعات الأسلحة إلى البحرين وغيرها من الأنظمة المنتهكة لحقوق الإنسان التي تشارك في «بايدك»»، لافتاً، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه «بالإضافة إلى سجن وتعذيب الناشطين، فإن النظام البحريني جزء من تحالف يقصف اليمن، الذي يواجه أسوأ أزمة إنسانية في العالم وبات الملايين فيه على حافة المجاعة».
وكانت العضو في البرلمان الأوروبي، جان لامبرت، قد اعتبرت أن «بريطانيا تبيع الأسلحة إلى البحرين، رغم استخدامها لارتكاب انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان»، منددة بمشاركة المنامة في معرض معدات الأمن والدفاع «دي سي إي أي» الذي استضافته العاصمة البريطانية لندن، الشهر الماضي. وتزامن افتتاح ذلك المعرض مع تصويت البرلمان الأوروبي على قرار بحظر مبيعات الأسلحة لـ«الدول المنتهكة لحقوق الإنسان»، في خطوة رأت فيها لامبرت أن من شأنها إرسال رسالة واضحة للندن، التي «تبيع الأسلحة لـ 56 بلداً، بما في ذلك بلدان ترتكب انتهاكات مروعة، مثل السعودية والبحرين».
وعلى الرغم من تلك المناشدات والخطوات، إلا أن بريطانيا ماضية، على ما يبدو، في سياساتها التي بدأتها في أعقاب اندلاع انتفاضة 2011، من خلال إنشاء قاعدة بحرية بريطانية في البحرين عام 2014، وإبرام عدد أكبر من صفقات التسليح. ووفق المعطيات المتداولة، فإن ثمة صفقات جديدة بين لندن والمنامة في طريقها إلى أن تبصر النور في المستقبل القريب. إذ نشرت مجلة «أريبيان إيروسبيس»، مطلع العام الجاري، تقريراً ذكرت فيه أن «البحرين مستمرة في مفاوضاتها مع بريطانيا للحصول على عدد غير محدد من مقاتلات تايفون»، التي قد «تحل مكان بعض مقاتلات إف 16 الأميركية المرتقبة»، وهو المرجح اليوم عقب الإعلان عن الصفقة الأميركية، وتحديد عدد المقاتلات بـ 16، بعدما وصلت التوقعات في السابق إلى 40.