بعيداً عن الأسباب السياسية التي دفعت وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى اعتقال عدد من الأمراء والوزراء السابقين، إلا أنّ بين الأسماء التي أُلقي القبض عليها ثلاثة سعوديين من أهمّ مالكي الإمبراطوريات الإعلامية، وهم: الأمير الوليد بن طلال مالك قنوات «روتانا»، ووليد الإبراهيم صاحب شبكة mbc، وصالح كامل مالك محطات art.
الثلاثي الذي ييشكّل «الحوت» في السوق الإعلامية الخاصة، يواجهون اليوم مصيراً واحداً، فيما بات السؤال الملحّ والضروري اليوم عن مصير مؤسساتهم، ولا سيّما أنّ الكلام عن تأميم الإعلام السعودي بات أمراً واقعاً. فالسلطة وضعت يدها على الإعلام الخاص بهدف تبديل محتواه وتوجهاته بشتى الطرق.
في السنوات العشرين الأخيرة، برزت الإمبراطوريات الثلاث على الساحة فجأةً وبسرعة قياسية. تحكّمت هذه المؤسسات بمصير الإعلام الخليجي والعربي، من دون أن يظهر لها أي منافس يهدّدها. حالما أُوقف «حيتان» الإعلام أوّل من أمس، بدأت التساؤلات عن مستقبل تلك المؤسسات الإعلامية ومصير العاملين فيها.

تُعَدّ mbc الأكثر تأثّراً بين الشاشات الخليجية


بالنسبة إلى قنوات «روتانا» التي أسسها الوليد بن طلال في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، فإنّ وضعها المادي تراجع في السنوات الاخيرة، ما أدّى إلى إقفال مكاتبها في غالبية الدول العربية. لم يكن عمر «روتانا» طويلاً، مقارنة مع الأموال التي ضُخّت فيها والعقود بملايين الدورات التي أبرمت مع أكبر نجوم الغناء في العالم العربي، بل فقدت وهجها في السنوات العشر الأخيرة، وقُلِّصَت أعمالها، قبل أن تصبح أخيراً بيد السعودي سالم الهندي بعدما تنازل عنها الوليد بن طلال. وكانت لرجل الأعمال والملياردير السعودي محاولات عدّة لتأسيس قنوات خليجية إخبارية تنافس «العربية» السعودية و«الجزيرة» القطرية، أبرزها قناة «العرب» التي بدأت البثّ في الأوّل من شباط (فبراير) 2015 وتوقفت بعد أقلّ من 24 ساعة على انطلاقتها من مركزها في البحرين، على خلفية استضافتها لمعارضين بحرينيين. كذلك دخل الوليد في صفقات إعلامية عالمية مع تايكون الإعلام الأسترالي ــ الأميركي روبرت مردوخ وابنه جيمس.
أما بالنسبة إلى شبكة mbc، فتُعَدّ الأكثر تأثّراً بين الشاشات الخليجية باعتقال مالكها وليد الإبراهيم (أخو الجوهرة بنت إبراهيم، أرملة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود)، لأنّ الوضع فيها كان مستقراً، وكانت برمجتها تسير على ما يرام،
رغم بعض الصعوبات المالية التي ضربتها قبل أشهر، كما تصوّر حالياً شبكة برامجها الجديدة التي تضم «ذا فويس» و«ذا فويس كيدز». من المعلوم أنّ وليد الإبراهيم الذي يملك القرارات الحاسمة في الشبكة السعودية كان يحمي موظفيه، وتحديداً اللبنانيين الذين يحتلون أعلى المراكز فيها. هكذا، من الطبيعي أن يؤدّي اعتقاله إلى زعزعة أوضاع هؤلاء في المحطة، على أن تتّضح الصورة لاحقاً مع تحديد مصير mbc. لكن السؤال الوحيد الذي يفرض نفسه اليوم: ما هو المصير الذي ينتظر الشبكة بعد نجاح برامجها؟ فمستقبل mbc مرتبط بمحمد بن سلمان، فإمّا يقرّر ولي العهد الاستيلاء عليها علناً ورسمياً، فيما يغيّر خريطة برامجها ويحوّلها إلى قناة خليجية بحتة، أو يأمر بإقفالها! مع العلم بأنّ أيّ قرار ليس مستغرباً، ولا سيّما أنّ الإعلام الخليجي تداول قبل عام تقريباً خبر دمج mbc ضمن «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» (مقرّها الرياض) التي يستحوذ بن سلمان على أكثرية أسهمها (الأخبار 28/7/2017) مع بقاء الإبراهيم في الواجهة. فتلك الشركة تضمّ عدداً كبيراً من المطبوعات التي تصدر باللغتين العربية والإنكليزية، منها مجلة «سيدتي» وجريدة «الشرق الأوسط». هذا الدمج حصل بعيداً عن أعين الإعلام العربي، وكان سريّاً للغاية. لذلك، كانت mbc منضوية تحت جناح محمد بن سلمان بطريقة غير مباشرة، ولا تتخذ أيّ قرارات من دون الرجوع إليه والحصول على رضاه. لكن في المقابل، كانت الشبكة بمثابة «الطفلة المدلّلة» بالنسبة إلى الإبراهيم، وكان يفاخر دائماً بها في مجالسه ويحاول أن يقدّم صورة مغايرة عن تلك النمطية السائدة عن الإعلام السعودي. في السياق نفسه، واجهت mbc في الصيف الماضي حملة تدعو إلى إقفالها بسبب برامجها التي هاجمت السعوديين، آخرها مسلسل «غرابيب سود» الذي عُرض في رمضان الماضي. في هذا السياق، يبدو أن اعتقال الإبراهيم قد يفتح شهيّة الرياض لتنفيذ حكم الشارع الغاضب على mbc بسبب توجهها الفني والسياسي الذي يعَدّ «منفتحاً»، مقارنة بباقي الشاشات المحلية.
في سياق آخر، تعَدّ حال قنوات art شبيهةً بزميلتَيْها mbc و«روتانا». كانت مصالح مشتركة قد تقاطعت بين الابراهيمي ومالك art صالح كامل، فقد أسّسا معاً mbc في بداية التسعينيات، لكن كامل باع لاحقاً أسهمه وأسس «شبكة راديو وتلفزيون العرب» (art) التي انطلقت في عام 1993. لكن تلك المحطة لم تعد تلقى شهرة واسعة في العالم العربي في الفترة الأخيرة، بل اقتصرت شعبيتها على مصر بسبب عرضها للمسلسلات والأفلام. ويملك كامل أيضاً قناة «إقرأ» المعروفة بتوجّهها الديني المتشدّد، وتصف نفسها بالـ «إسلامية» وبأنّها «سفير الإسلام الأوّل في الإعلام المرئي». هنا، تجدر الإشارة إلى أنّه بعد اندثار شهرة «روتانا» ومكانتها، وفي ظل ضعف شعبية art، بسطت mbc سيطرتها على الساحة الإعلامية العربية بالكامل، وفرضت نفسها «ممثّلاً للجيل الإعلامي الثالث» في الخليج.
على خطٍّ موازٍ، كان لافتاً أن غالبية النجوم الخليجيين ومن مختلف المجالات أعربوا عن تأييدهم لقرار محمد بن سلمان، إذ علّقوا على مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمين هاشتاغ #الملك_يحارب_الفساد. يرى البعض أنّ موقف الإعلاميين المؤيدين مرتبط بانتشار أخبار عن توسّع دائرة أهل الإعلام الذين سيجري توقيفهم أو ربطهم بـ «الفساد» قريباً.