تلقفت إسرائيل بيان استقالة الرئيس سعد الحريري بوصفه خطوة سعودية يمكن البناء، وربما الرهان عليها، ضد أعدائها في لبنان. فقد حظيت الاستقالة باهتمام لافت جداً على المستويين الرسمي والإعلامي، بوصفها حدثاً تأسيسياً لمرحلة مقبلة تتعلق بالجبهة الأكثر أهمية من ناحية الأمن القومي الإسرائيلي، أي الساحة اللبنانية.
ورغم تظهير الترحيب والغبطة وعبارات الأمل، إلا أن إسرائيل تدرك، نتيجة تجاربها الماضية، صعوبة الرهان على عامل داخلي لبناني لإضعاف حزب الله أو تقييد وظيفته الدفاعية في مواجهتها. لكنها تبقى، بسبب محدودية خياراتها، معنية بالإفادة من أي حدث في الساحة الداخلية اللبنانية في عدة عناوين لإشغال حزب الله، وخاصة إذا كان الحدث يؤسس لتأجيج مذهبي، وهو السلاح الأهم الذي تراهن إسرائيل على مفاعيله، بعدما نجح لبنان إلى حد كبير في تحييد نفسه عن الأحداث التي شهدتها المنطقة، وتحديداً في العراق وسوريا.

السعوديون استنتجوا بأن
الرابح من الوحدة الوطنية في لبنان هما إيران وحزب الله

وواضح أن إسرائيل ترصد ما إذا كانت الاستقالة مقدمة لقرار سعودي بنقل الفتنة الى لبنان، وهو معطى سيبني عليه الإسرائيليون آمالهم، وربما أيضاً خطواتهم، وإن كانت الخيارات العسكرية لها محدداتها الخاصة التي لا تكفي لتفعيلها مجرد تهيئة مناخ فتنوي في لبنان. وهو ما يفسر أن الرسميين في تل أبيب، وكذلك المعلقون والخبراء، لم يذهبوا بعيداً في عقد الآمال، نتيجة خيباتهم المتكررة في الرهان على العوامل الداخلية اللبنانية في إضعاف حزب الله. من هنا، يمكن فهم التعامل الواقعي مع الحدث باعتباره نقطة ارتكاز ومنصة تحريض ضد حزب الله وإيران، ليس تجاه واقعة الاستقالة نفسها، التي لا تعني إسرائيل شيئاً، بل تحديداً مضمون بيان الاستقالة، وما يؤمل أن يبنى عليه لاحقاً.
على هذه الخلفية، يمكن فهم مواقف إسرائيل وتحليلاتها، وترحيبها باستقالة الحريري، بوصفها خطوة سعودية تعزز موقف تل أبيب ومصالحها. إذ إن مضمون بيان الاستقالة، كما وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» «ما كان أفضل كتبة الخطابات في إسرائيل ليصوغوا أفضل منه».
رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سارع الى تلقف خطاب الرئيس المستقيل، والتعامل معه كفرصة للضغط على حزب الله في لبنان وسوريا. وتعليق نتنياهو كان واضحاً جداً، كما ورد من العاصمة البريطانية التي يزورها: «استقالة رئيس الوزراء اللبناني الحريري، والتصريحات التي أدلى بها، بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي كي يتخذ إجراءات ضد العدوان الإيراني الذي يحاول أن يحوّل سوريا إلى لبنان آخر». وأضاف أن «هذا العدوان لا يشكل خطراً على إسرائيل فحسب، بل أيضاً على الشرق الأوسط برمته. يجب على المجتمع الدولي أن يرص صفوفه ويواجه هذا العدوان».
وفي مقابلة مع قناة «بي بي سي» البريطانية، قال نتنياهو إن «إسرائيل هي مصدر الأمل في العاصفة التي تمر بها المنطقة، لكن إيران تحاول طوال الوقت قضم المزيد من الشرق الأوسط، ما أدى أخيراً الى استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري». وأضاف نتنياهو ان (الرئيس الأميركي دونالد) «ترامب يرى أن إيران هي المشكلة، وأيضاً هذا ما تراه الدول العربية وكذلك الحريري»، و«سمعنا استقالة الحريري لأن حزب الله وإيران سيطرا على الحكومة (اللبنانية)، ويجب وقف السيطرة الإيرانية على المنطقة».
وفيما رأى رئيس حزب «يش عتيد» عضو الكنيست يائير لابيد، أن استقالة الحريري تعدّ تعزيزاً لموقف إسرائيل، وصفها وزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، بأنها مفترق طرق. وأضاف: «آن الأوان للضغط على حزب الله وعزله لإضعافه ونزع سلاحه».
وحاول وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، البناء على الخطوة السعودية، والتلويح بالخيارات العسكرية، الأمر الذي عُدّ دفعاً باتجاه تعزيز التأثير السلبي للاستقالة على حزب الله كما تراه إسرائيل، وما يمكن أن يعقبها من أزمة داخلية في لبنان. بحسب ليبرمان، فإن «لبنان يعني إيران، وإيران خطر على العالم. الحريري أثبت اليوم هذه النقطة. وأضاف ان الجيش الإسرائيلي جاهز للمواجهة ولن نسمح لمحور إيران بتعزيز قوته على الحدود الشمالية».
صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تحت عنوان «لسانه نطق بكلماتنا»، أشارت الى أن «أفضل كَتَبة الخطابات في إسرائيل لم يكونوا ليصوغوا خطاب رئيس حكومة لبنان سعد الحريري ضد حزب الله وإيران، أفضل مما جاء فيه». ولفتت الى أن خطابه «وصّف بدقة، ولو بلغة هجومية، التحدّي الماثل أمام إسرائيل والشرق الأوسط بأسره، في مواجهة محور إيران وسوريا وحزب الله».
وأشارت الى أن «خطط الاغتيال التي كشفها الحريري في خطاب الاستقالة مجرد ذريعة. لا أحد في بيروت يصدّق أن رئيس الحكومة استقال كي يتجنب مصير والده. الحريري زار السعودية مرتين في أقل من أسبوع، واجتمع بولي العهد محمد بن سلمان. ويمكن الافتراض أنهم صاغوا له هناك كتاب الاستقالة بهدف إدخال لبنان في دوامة سياسية تُضعف من قوة حزب الله».
موقع «المصدر» الإسرائيلي أشار الى أن «الخطوة السعودية تهدف الى زعزعة المنظومة السياسية في لبنان». ونقل عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن «السعودية قررت نزع الأقنعة في كل ما يتعلق بالاشتباك مع إيران، ويبدو أن السعوديين توصلوا إلى استنتاج بأن الرابح من الوحدة الوطنية في لبنان هما إيران وحزب الله، ما دفعها الى التحرك».
وحذرت القناة العاشرة العبرية من تداعيات الاستقالة ومما وصفته بـ«الدراما» اللبنانية، مشيرة الى وجود خشية كبيرة من انزلاق الصراع السياسي القائم الى صراع أمني وربما حرب أهلية، إذ إن الجميع في لبنان يريد أن تبقى الساحة الداخلية هادئة، «لكن السعوديين لا يخشون من مواجهة حزب الله في لبنان».