بعدما كانت تتنافس على نشر التحليلات، تسعى إلى كشف «خفايا» أبسط الأحداث السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، خيّمت حالة من الصمت المريب على وسائل الإعلام الغربية والعربية عقب «ليلة الاعتقالات الطويلة» التي طاولت أمراء ووزراء سعوديين في «مملكة ابن سلمان».
في السابق، كان الإعلام الغربي، بخاصة الأميركي والبريطاني، يوجّه بوصلة التغطيات الإعلامية العالمية، فيبرع في تحديد الأولويات وتأطير الدول والشعوب وتصنيف الأحداث وفق ما يتناسب ووجهة السياسة الأميركية وما تحاول تسويقه للرأي العام في فترة زمنية محددة.
وفيما لا يمكن القول إن هناك تعتيماً إعلامياً على حملة «الجنون» التي أطلقها وليّ العهد محمد بن سلمان في البلد المقرّب جدّاً من الدول الغربية، فإنّ التغطية الإعلامية لا تتناسب وحجم الأحداث المتلاحقة، ولا سيما أن الجبهة الداخلية السعودية كانت في السابق «هادئة» نسبياً مقارنةً بالبلدان المشتعلة من حولها.
«السطحية» في المقالات المنشورة والشحّ في المعلومات والمعطيات لا يأتي «صدفة» ولا هو نتيجة عجز في اختراق جدار النظام الذي لا يأخذ قراراً دون الرجوع إلى البيت الأبيض. هذا الواقع يبدو عاكساً لقرار متعمد بالتكتّم، تمارسه وسائل الإعلام الرئيسية بالتنسيق مع أصحاب القرار العالمي. وعلى الرغم من الخطوات الدرامية الكبرى وغير المسبوقة في التاريخ السعودي، اكتفت الصحف الغربية في نقل المشهد عن الصحف السعودية، لتتحول فجأة إلى صفحات شبيهة بالحسابات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تغطي الحدث من باب «رفع عتب».
في السياق، وضعت الصحف الأميركية والبريطانية حملة الاعتقالات في سياق معركة «التحديث» التي يقودها الزعيم الشاب في المملكة، والتي شملت في السابق رجال دين ودعاة ومثقفين وأكاديميين معارضين. وفيما حذّرت هذه الوسائل، ومن ضمنها «ذي إندبندنت» و«ذي غارديان» و«نيويورك تايمز»، من سعي ولي العهد إلى تشديد قبضته على كل تفاصيل القوّة والسلطة والنفوذ في السعودية، فإنها لم توضح الأسباب المباشرة وغير المباشرة، ولم تتساءل عن الدور الذي لعبته العواصم الغربية، ولم تناقش التداعيات الأمنية، داخلياً وخارجياً، لمثل هذه القرارت المتسارعة أو حتى «المتهورة»، ولا عن مخاطر سياسة تكميم الأفواه والانقضاض على كل من يعارض «ابن الملك».
قد يقول البعض إنّ السبب هو بكل بساطة حالة «الضياع والغموض» التي تحيط بالمشهد السعودي، أو جهل حقيقي بكواليس تلك «الليلة» وما سبقها من أحداث. لكن لعلّ إعادة النظر إلى تاريخ التغطية الإعلامية لهذه الصحف، يكشف كم أنّ القرار السياسي ولعبة الاستثمار يدفعان الحدث إلى الصفحة الأولى أو ليكون مغموراً.
(الأخبار)