قرار المملكة العربية السعودية باستقالة الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، انعكاساته لا تقتصر فقط على الساحة الداخلية. فغياب الرجل الثالث في الحُكم، سيؤدي إلى شلّ الكثير من الملفات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي تحتاج إلى توقيعه. إذ إن هناك نوعين من الأمور التي عُلّقت نتيجة احتجاز الحريري في السعودية.
الأول، عبارة عن البنود والملفات التي أقرّها مجلس الوزراء، أو قرارات لا تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، بل تصدر بمراسم «جوّالة»، ولم تصدر بمراسيم بعد، لتُنشر في الجريدة الرسمية، وتُصبح نافذة. فالمراسيم بحاجة إلى تواقيع: الوزير المختص، وزير المال، رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. أما القسم الثاني، فيشمل الملفّات الحياتية والاقتصادية التي كان مجلس الوزراء قاب قوسين من الاتفاق عليها قبل «تغييب» الحريري.
المشكلة ليست في استقالة الحكومة، بل في غياب رئيسها المستقيل. ففي ظل «تصريف الأعمال»، «يُمكن التوقيع على مراسيم القرارات الصادرة، لأنّ رئاسة الحكومة، في توقيعها، تُنفذ أمراً اتُّخذ القرار بشأنه مُسبقاً»، كما يقول الوزير السابق زياد بارود.

جزء من التشكيلات الدبلوماسية كان ينتظر توقيع الرئيس المستقيل



أهم الملفات التي تأجل البحث بها هو موضوع بواخر الكهرباء الذي كان من المفترض أن يطّلع مجلس الوزراء عليه بعد إرساله إلى دائرة المناقصات، وتلزيمات النفط، والتعيينات الإدارية، ولا سيّما ما يتعلق بمحافظتي بيروت وجبل لبنان، والبدء بدراسة موازنة عام 2018. أما بالنسبة إلى مشروع موازنة 2017، وبعد اللغط الذي ساد الأوساط السياسية في اليومين الماضيين، تبيّن أنّ الحريري جنّب البلاد كارثة كُبرى، إذ إنّه وقّع على المرسوم قبل استقالته، ولكن لم يُنشر في الجريدة الرسمية بعد.
عددٌ من البنود وافق عليها مجلس الوزراء في جلساته الأخيرة، واعتُبرت «إنجازاً»، لم تكن بحاجة سوى إلى صدور مرسومٍ بها. منها مرسوم المجلس الاقتصادي ــ الاجتماعي، الذي لم يوقعه الحريري. السبب، بحسب أحد الأعضاء الـ 71، «وجود سجلات عدلية غير نظيفة لثلاثة من الأعضاء». كذلك، لم يصدر مرسوم تعيين الزميل محمد سيف الدين في منصب المدير العام للمجلس، على الرغم من توقيع الحريري عليه، «لأنّ الرئيس ميشال عون يتريث في إصدار مرسوم سيف الدين، من دون إقرانه بمرسوم أعضاء المجلس الـ 71». البند الثاني الذي اتفقت عليه حكومة سعد الحريري، من دون أن يتمكن من توقيع مرسومه، هو تعيين عضوين في الهيئة العليا للتأديب.
أما الملف «الأدسم»، لناحية وجود قرارات بحاجة إلى جعلها نافذة بموجب المراسيم، فيتمثل في قسمٍ من التشكيلات الدبلوماسية والتعيينات الإدارية في وزارة الخارجية والمغتربين. فاستناداً إلى محضر جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 30 تموز 2017 الرقم 35، القرار 40، تقرّر تمديد ولاية مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام حتى إحالته على التقاعد في 15 كانون الأول 2017. بناءً عليه، جُمّد توقيع مرسوم السفيرة الجديدة في نيويورك (الأمم المتحدة) آمال مدللي، لأنّها ستُعتبر من تلك اللحظة شاغلة لمنصبها وتتلقى راتبها. وإذا ما امتدّت الأزمة الحكومية، فلن تتمكن مدللي من تسلّم رئاسة البعثة لدى الأمم المتحدة. الحالة نفسها يُعانيها السفير الجديد لدى السويد حسن علي صالح، الذي لن يصدر مرسوم تعيينه قبل إحالة السفير لدى الإمارات حسن سعد على التقاعد في 23 كانون الثاني 2018، بسبب عدم وجود أماكن شاغرة داخل الملاك. كذلك لم يصدر بعد مرسوم تعيين السفير غابريال عيسى في واشنطن، الذي تأخر في إكمال ملفه لدى الإدارة الأميركية، ولا سيما تخليه عن الجنسية الأميركية. وتُعاني «الخارجية» أيضاً من مُشكلة تعيين سفير مع دولة الفاتيكان، بعد رفض الأخيرة قبول اعتماد السفير جوني إبراهيم لأنه انتمى سابقاً إلى محفل ماسوني. وبعدما قررت الوزارة استبدال ابراهيم بالسفير لدى الأرجنتين أنطونيو العنداري، لن تتمكن من تنفيذ قرارها بعد استقالة الحكومة، واستحالة إقرار ذلك وصدور مرسوم به. أما البلدان التي لم تُرسل بعد موافقتها على تعيين الدبلوماسيين اللبنانيين لديها، ومنها السعودية والكويت، فحتى لو فعلت لن يتمكن السفراء من تسلم مهماتهم بسبب تعذّر صدور مراسيم تعيينهم. وتقول مصادر قصر بسترس إن «هناك نحو 30 بعثة تعمل حالياً بموجب أوامر مهمة يُصدرها وزير الخارجية، بإمكاننا اللجوء إلى هذا الخيار إذا طالت الأزمة».
من خارج بنود أعمال مجلس الوزراء، كان يُفترض أن يصدر مرسوم تعيينات الفئة الثانية في وزارة الخارجية، بعد إحالته على مجلس الخدمة المدنية. وكان متوقعاً أن يمر مرسوم تعيين المستشارين (القناصل) بسلاسة، بسبب الاتفاق على الأسماء بين مختلف القوى الطائفية والسياسية، ولكن لم يوقع المرسوم قبل استقالة الحريري.