طرابلس هي «مدينة الخْطَي». تتعاطف مع كلّ واحد من مرجعياتها السياسية، حين تسوء ظروفه، مهما جارت هي عليه. هكذا تعاملت مع وفاة رئيس الحكومة عمر كرامي في 2015. لبست طرابلس، بكلّ أطيافها، ثوب الحداد على «الأفندي»، رغم أنّها حمّلته في 2005 مسؤولية اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، وأسهمت في ممارسة الضغوط الشعبية عليه حتى استقال من منصبه، ثمّ سحبت منه الوكالة التمثيلية نيابياً.
التاريخ يتكرر مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد أن أُجبر على تلاوة استقالته من السعودية، ولا يزال موجوداً على أراضيها في الإقامة الجبرية. تعاطفت طرابلس مع الحريري بعدما «عاقبته» لغيابه التنظيمي والسياسي والمادي عنها، منذ إسقاط حكومته الأولى في الـ2011. وهناك، في البداية، «من صدّق بيان الاستقالة، فظنّ أنّ الأصيل عاد، ما أدّى إلى ارتفاع شعبية الحريري على حساب الوكيل (الوزير السابق) أشرف ريفي»، على ذمّة أحد المسؤولين الشماليين.
منذ فترة، وشعبية تيار المستقبل في طرابلس إلى تراجع، أسوةً بمعظم المناطق ذات الغالبية الطائفية السنيّة. قسمٌ من الرأي العام «ورثه» ريفي، وقسمٌ آخر التحق بتيار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وقسمٌ ثالث، كبير، لجأ إلى منزله بعد أن أعيته السياسة. كان الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري يُحاول، منذ أشهر، العودة إلى الفيحاء من خلال تنظيم اللقاءات وتزييت ماكينته التنظيمية قبل الانتخابات النيابية المقبلة، من دون أن تظهر بعد النتائج المباشرة لتحركه، إلى أن أطلّ رئيس الحكومة، في 4 تشرين الثاني، على شاشة «العربية»، فأُصيبت طرابلس «بحالةٍ من الضياع»، كما يُخبر أحد المسؤولين في تيار سياسي طرابلسي. ويقول إنّه «بين الخصوم الشامتين، والمتعاطفين، والمتفاجئين، والمناصرين، ضاعت طرابلس». في الأيام الأولى، حصل توتر محدود «بين مناصري تيار العزم ومناصري التيار الأزرق، على خلفية زيارة ميقاتي لدار الفتوى وحديثه عن مبادرةٍ تتضمن الدعوة إلى الاتفاق على اسمٍ جديدٍ لتشكيل الحكومة»، فانتفض المستقبليون على قاعدة «طوّل بالك علينا تا نشوف الزلمي (الحريري) شو صاير فيه». التوتر الثاني، وعلى مستوى أكبر، حصل بين مناصري «المستقبل» وريفي، «حين بدأ مناصرو الأخير بالشماتة في الشارع، عبر القول إنّ سياستهم هي التي انتصرت، وإنّ السعودية طوّلت بالها كثيراً على الحريري». وفيما كان أنصار ريفي يروّجون لعلاقته ببهاء الحريري، رأى سياسيون طرابلسيون أن «طرابلس لا تقبل أن يُضرب الحريري وهو ضعيف، من خلال استخدام فردٍ من العائلة. لعبة ريفي ارتدّت سلباً عليه».

بدأت تُسمع، لأول مرّة، انتقادات ضدّ السعودية في طرابلس



بعد أن ثبت، بما لا يحمل الشكّ، أنّ الحريري «مخطوف» في السعودية، «بدأ يظهر التعاطف في طرابلس مع رئيس الحكومة»، كما يقول سياسي طرابلسي. لكن أثر هذا التعاطف لم يظهر في السياسة، «فالحريري بدا أيضاً مسلوب القوة، وفاقد الهيبة أمام السعودية». ارتفعت في عاصمة الشمال «لأول مرّة الانتقادات ضدّ السعودية، بدءاً من أنّها إذا أرادت مُحاربة الشيعة وحزب الله فلا يُمكنها أن تسجن رئيس الحكومة السنّي، وصولاً إلى القول إنّ السعودية فشلت في سوريا والعراق واليمن». إضافةً إلى أنّه على الصعيد الاقتصادي والخدماتي، «فليدلنا أحدٌ على المشروع الذي نفذته السعودية في طرابلس ويعتاش منه أبناء المدينة»، مع العلم بأنّ أحداً لا يتوهم أنّ الناس ستُعلن النفير ضدّ مملكة الوصاية الجديدة على لبنان، «لأنّهم لا يملكون مكاناً آخر يلجأون إليه».
مصدر مسؤول في فريق عمل ريفي يُقرّ بأنّ استقالة الحريري «شكّلت صدمة إيجابية من خلال المواقف التي أطلقها، بعد التسوية التي قام بها والإحباط الذي أصاب الشارع». حتى إنّ شعبية الحريري «ارتفعت بعد قلبه الطاولة». إلا أنّه خاب أمل هؤلاء «بعد مقابلة الحريري الأخيرة، وعاد الإحباط. فقد تغيّر مضمون الكلام بين البيان والمقابلة». ولا يوافق أنّ ما حصل في الأيام الماضية أسهم في ضعضعة شعبية اللواء المتقاعد، «على العكس من ذلك، فنحن نعتبر أنّ الحريري عاد إلى ثوابت أشرف ريفي، وخطّنا هو الذي ربح، لا سيّما أنّ بوصلتنا هي المملكة وندعمها بمواقفها». أما عن العلاقة مع بهاء الحريري، «فهي شخصية وليست سياسية، والذي تُقرّره السعودية يسير به سعد الحريري وكلّ السنّة».
يُجمع الطرابلسيون على أنّه لا مجال لأيّ خرق أمني، «فحتى الساعة، لا يظهر وجود بيئة حاضنة وجاهزية لذلك». ولكن بعد تجاوز «قطوع» إحراق صورة وليّ العهد محمد بن سلمان، وإزالة كلّ الصور من الفيحاء بقرار من وزارة الداخلية، بعد نشوب مواجهة «تويترية» بين الوزير نهاد المشنوق وريفي، يستعد الأخير «لتنظيم تحرك شعبي في طرابلس الأسبوع المقبل، بعنوان دعم المملكة وقيادة الحزم والاعتدال، ضدّ سياسة إيران وحزب الله»، يختم المصدر في فريق عمل ريفي.