عناق طويل، مصافحات حارة، وجذب الأكتاف.هكذا كان اللقاء أعلى درج الإليزيه، بين اللبناني الملهوف رئيس الوزراء سعد الحريري والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي تعشق يداه لمس ضيوفه. الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو وجد نفسه في سعد الحريري، في صور عناق مماثل مستعادة، وأحضان لاهفة، عندما عاد من الأسر في العراق عام 2005.

في كل قصة اختطاف، يقول مالبرونو، «هناك عودة وهناك مسرحة مشهدية لختام سعيد لا بد منه بعد كل نجاح تحققه الدبلوماسية في إطلاق سراح الرهينة. ولأن فرنسا ربحت، كان لا بد لها أن تربح وتحتفل بما ربحته» بتحرير الرهينة. وما أخفته الضرورات الدبلوماسية، والمساومات في الكواليس، وخوف الرهينة من خاطفها، نبشته الكاميرات ... وحدس الرهينة السابق.
عين الرهينة السابق لا تخطئ في تأويل لهفة «المُحرَّر» لعناق «محرِّره». والمشهد يقول ما لا تجرؤ الحسابات السياسية على الإفصاح عنه. الصحافي الفرنسي، ومراسل «فيغارو»، عاد من سجنه العراقي مع زميله كريستيان شينو بعد أشهر من الاختطاف. التمرين على مسرحة العودة الى المنزل والأسرة والحرية، تحت أعين الكاميرات، خبره الفرنسيون طويلاً مع عودة صحافيين ودبلوماسيين وسياح طحنتهم مفاجآت الخطف والارتهان في أقبية وزنازين متفرقة تمتد من لبنان الى الجزائر واليمن وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
«في كل تفاصيل اللقاء في الإليزيه احتفاء بالرهينة»، يقول مالبرونو. ويضيف: «المسرحة كانت في كل شيء، العائلة التي انتظرت العائد عند مدخل قصر الإليزيه، والرئيس الحريري برفقة ابنه حسام، وتغريدة الرئيس الفرنسي الذي يرحّب بضيفه بالعربية أهلاً وسهلاً».
وبدت لحظة الذروة في قضية الحريري عندما هجمت الكاميرات وتسابقت لقطاف العناق مع ماكرون، بعد أن حرمها السعوديون من المشهد في الداخل. وبخلاف اللبنانيين، لازم الفرنسيين يقينٌ قاطع بأن سعد الحريري مخطوف، وأن محمد بن سلمان خاطفه. وما قالته بيانات الكي دورسيه أو الإليزيه عن تقييد حرية حركة رئيس الوزراء اللبناني، كان مصطلحاً مرادفاً دبلوماسياً مخففاً، تفادياً لأزمات، وحماية للمفاوضات مع «الخاطف». صحافيّ فرنسيّ قُيّض له أن يرافق وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الى لقاء الحريري في الرياض، وصف الرجل بأنه «كان متشنّجاً شاحباً كشرشف سرير أبيض، مهموماً، ويتصبّب عرقاً، ليس في أفضل أحواله». الوزير أسرّ لمرافقه: «لا أفهم ماذا يريد السعوديون». ومنذ اليوم الثاني لمحنة الحريري، ما كان ممكناً العثور على وسيلة إعلامية واحدة في فرنسا تفهم ما أراده السعوديون من احتجاز الحريري. منذ التسعينيات، لم تعد السياسة الخارجية تغري وسائل الاعلام. المدرسة التي سادت القنوات التلفزيونية هي المثير والفضائحي، وأحياناً التفتيش في نفايات الضحايا. أصلاً ألغيت وظائف محللي السياسة الدولية في معظم القنوات. الكاميرات التي دنت لاحتضان العائد اللبناني على درج الإليزيه، لم تكن في السياسة إلا لماماً. ولو كان العائد رئيساً للوزراء فحسب، على ما جرت عليه العادة، ما وجد إلا كاميرات قليلة. الغريزة التي قادت الإعلام الذي احتشد بالعشرات، درّبت وسائل الإعلام الفرنسية جمهورها على استهلاكها دون إشباع، هي رائحة مختلطة من الدراما والفضيحة والتعاطف «السياسي المالي، والرهينة، والظلال الكثيفة والمثيرة لرئيس وزراء تحتجزه دولة أخرى»، يقول مالبرونو.
الحريري الذي لم يجد أبداً شاشة فرنسية تفتتح نشرة أخبارها بقدومه، تفوّق في دور الرهينة المحررة على السياسي في حبّ الجمهور الفرنسي وتعاطف وسائل الإعلام والإليزيه والحكومة معه. وكان لا يزال، حتى أول من أمس، خبر وسائل الإعلام الفرنسية الاول.