لم يكن من «المنطق» السياسي أن يخرج قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول مدينة القدس، من دون مرافقته ببيانات من دول «الاعتدال» العربي، تدين وتحذّر من تبعات هذا القرار. «الانتفاضة» الرسمية لقيادات تلك الدول جاءت على قياس «المفاجأة» الأميركية، واستبقتها بإعلان اجتماع «غير عادي» لجامعة الدول العربية. ويكمن خروج الاجتماع عن التصنيف «الاعتيادي» أن الدول «الصقور» المتداعية إليه، أُبلغت مسبقاً بالقرار من قبل ترامب مباشرة، عبر اتصالات هاتفية مع زعمائها المستنفرين.
هذه الدول كانت أساساً المبتدأة والداعمة لكلّ ما يشجّع على إنهاء القضية الفلسطينية وتصفية مقاومتها تعزيزاً لـ«خيار السلام (الاستسلام)». فهي، إمّا مطبّعة مع كيان العدو علناً أو سرّاً، و«فورة» البيانات ما هي إلّا عدّة عمل هذه الأنظمة أمام شعوبها وصورتها.
المواقف جاءت بأغلبها حاملة صيغة التعليقات السياسية لا صيغة بيانٍ لـ«طرف» في صراع ممتد لما يزيد على قرن، وهو ما لا يتّسق مع نظرة تلك الدول من القضية الفلسطينية، لكونها (النظرة) باتت تماشي بحياء ــ أو من دونه ــ التوجهات والرؤى الإسرائيلية. السعودية التي تحمل لواء «العرب» في «ربيعها» المستجد، و«تخدم» القِبلة الثانية من بعد القدس؛ كانت أول المحذّرين. وفي اتصال البلاغ من ترامب، أكد ملكها سلمان بن عبد العزيز «لفخامة الرئيس الأميركي... أن أي إعلان بشأن وضع القدس يسبق الوصول إلى تسوية نهائية، سيضر بمفاوضات السلام». وبعد تجاهل الربط السعودي لخطورة الإعلان بموعده (قبل أو بعد تسوية نهائية)، يمكن البناء على أن يكون «التحذير» السعودي قد وصل طريقه إلى واشنطن، عبر الضيفة التي حلّت على ولي العهد محمد بن سلمان، أول من أمس في الرياض، وهي وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق كونداليزا رايس التي سبق أن بشّرت بـ«شرق أوسط جديد». واستبق الموقف السعودي الرسمي بحملة كبيرة من الكتّاب والمثقفين والمسؤولين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ركّزت على أن دعم الفلسطينيين في نضالهم غير واجب بعدما أضاعوا «قضيتهم» بأيديهم.
الخوف على «السلام» مع إسرائيل، تشاركت فيه قطر مع غريمتها الخليجية، إذ قال وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن قرار الرئيس الأميركي هو بمثابة «حكم بالإعدام على مساعي السلام». ورأى أن «الولايات المتحدة لها دور رئيسي في عملية السلام، وهذا الدور يحتم عليها أن تظل على الحياد».
أما الكويت، فقد أعلن فيها وزير الاعلام بالوكالة، محمد عبد الله المبارك الصباح، وجود اتفاق جماعي بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، على تحرّك يظهر «مقدار الغضب» من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
لغة التحذير والخوف على مصير عملية «السلام» تلك، انسحبت على جيران فلسطين، في الأردن ومصر. وأكد رئيس الأخيرة عبد الفتاح السيسي، أمس، «أهمية التعامل بحذر مع ملف القدس»، مشيراً إلى «ضرورة التزام المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، في إطار السعي للتوصل إلى تسوية نهائية عادلة وشاملة للقضية». من جانبها، دعت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، في بيان؛ إلى «التعبير، الأربعاء المقبل، عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ودعم حقه بإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف»‎.
أما الأردن «الوصي على القدس والمقدسات»، فقد بحث ملكها عبد الله بن الحسين، مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، تداعيات القرار الأميركي «الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة وجهود تحقيق السلام». وشدد على «ضرورة دعم الفلسطينيين في مساعيهم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية».
بدورها، طالبت جامعة الدول العربية، قبل القرار بيوم كامل، الولايات المتحدة بـ«لعب دور نزيه ومحايد» لتحقيق «السلام الدائم والشامل» في الشرق الأوسط.
(الأخبار)