ليست كلّ الأسئلة المطروحة أمام العلم اليوم آنيةً أو طارئة، لكنّ بعض القضايا والإشكاليّات الآنيّة لا يتناولها العلم أيضاً ولا يجد لها أجوبةً وحلولاً وخططاً بديلة. على سبيل المثال لا الحصر، هل يدرس العلم اليوم سبل تدارك أي تقاطع بين مسار الأرض ومسار أحد المذنّبات السابحة في الفضاء؟
قد تثير هذه المسألةٌ الهلع بين الناس، لكنّ احتمال أن نرى يوماً ما مذنباً كبيراً أو نيزكاً متجهاً صوب الأرض هو احتمال قائم، وإن كان ضئيلاً جدّاً. إذ تشير الدراسات الاحتماليّة إلى أنّ نسبة وقوع مذنبات خطرة على مسار تصادمي مع كوكب الأرض تبلغ 0.01% خلال القرن المقبل. وعلى الرغم من ضآلة الاحتمال، غير أنّ وقع المصيبة سوف يكون هائلاً على الحياة البشريّة. لذلك يطرح السؤال الفوري: هل توجد وسائل تسمح بتجنّبه أو تعديل مسار هكذا مذنّب؟
لا تقوم المؤسسات المعنيّة في الدول العلميّة الكبرى بأي خطط طوارئ مرتبطةٍ بهذا الاحتمال ولا تتهيّأ لمواجهته، على قلّة احتمال حدوثه. وللمقارنة، تتحضّر أجهزة الدول الكبرى العلمية والأمنية لمواجهة حوادث من نوع آخر ذات احتمال ضئيل أيضاً مثل انفجار مفاعل نوويّ أو انهيار سدّ يحصر وراءه بحيرةً تحتوي على كميات ضخمةٍ من الماء أو غيرها. إذاً، السؤال المطروح ليس من نسج الخيال أو مسألةً عاديةً يمكن التعاطي معها حين حدوثها، بل تستوجب أن يتفرّغ فريق علمي صغير على الأقلّ لإعداد خطة صغيرة قائمة على علوم الهندسة والفيزياء للتحضير لمواجهة طارئ وجوديّ من هذا النوع.
خلال السنوات الأخيرة، تمكّن علماء الفضاء من رصد وتوثيق حوالى خمسة مذنبّات جديدة يوميّاً، وهو ما يعني أنّ هناك عشرات آلاف المذنبات التي تنتظر أن نكتشفها خلال السنوات القليلة المقبلة. وبحال كان أحدها متوجّهاً إلينا بمسار يتقاطع مع دورة كوكبنا حول الشمس، فلربّما لن يكون لدينا متّسع من الوقت كي نحضّر أنفسنا لأسوأ الاحتمالات.

حوادث مشابهة قريبة

لا يوجد الكثير من الحلول لتلك المسألة بين أيدينا الآن، ومن المقلق معرفة أن لا جهات رسميّة تفكّر بحلول. وتشير التجارب إلى أنّنا عادة ما نرصد تلك الأجرام الفضائيّة قبل أسابيع من بلوغها مسارها الأقرب إلى الأرض، وهو ما يجب أن نتوقّعه للفترة الفاصلة قبل احتمال التصادم. لكنّ عملية مواجهة هذا الاحتمال ربّما تحتاج الى سنوات من التحضير، كي لا يبقى لنا الخيار البائس الأخير بإجلاء المنطقة المتوقّعة أن تكون الأكثر تأثراً بحالة التصادم.

لا تقوم المؤسسات المعنيّة العلميّة بأي خطط طوارئ مرتبطةٍ بهذا الاحتمال


ومن الأمثلة التي يمكن أن تكون مشابهةً في تاريخنا الحديث هو اصطدام مذنّب بكوكب المشتري عام 1996 واقتراب مذنّب آخر كاد أن يصطدم بكوكب المرّيخ عام 2014، وللتذكير فالمرّيخ هو جارنا الأقرب. وفي حالة المرّيخ عام 2014، رصد العلماء المذنّب المذكور قبل 22 شهراً من وصوله إليه، فماذا لو كانت الأرض وجهته؟ ستكون تلك مسألة كارثيةً حيث لا تولي وكالات الفضاء الدولية هذه المسألة اهتماماً كافياً، وخاصةً إذا علمنا بأن وكالة الفضاء الأميركية لديها موظف واحد فقط في قسم "حوادث اصطدام الأجرام الفضائيّة"، فيما لا توجد هذه الأقسام أو ما يناظرها في الوكالات الدولية الأخرى.

اقتراحات عمليّة

اقترح علماء فضاء مختصّون إنشاء "مركبة مراقبة فضائيّة" بشكل فوري تكون مهمّتها الانطلاق باتجاه المذنب الذي يمكن أن يشكّل خطراً كي تدرس خصائصه مثل المسار والسرعة والشكل والوزن وتقوم بإرسال معلومات دقيقة عنه للقواعد الأرضية. كذلك، اقترحوا إنشاء "مركبة اعتراض فضائية" توضع في الاحتياط، ويمكن إطلاقها بعد تزويدها بكل المعلومات الواردة من المركبة الأولى كي تقرر كيفية التصادم مع المذنب وبأي زاوية وسرعة بشكل يؤدّي إلى حرف المسار بشكل كفؤ بعيداً عن مسار الأرض. وبحال وجود هاتين المركبتين، يمكن عند أي اقتراب أن نرسل الأولى للرصد وتنطلق الثانية لحرف المسار قبل سنةٍ مثلاً من وصول الجرم الفضائي. لكن يبقى خطر الأجرام التي لا يمكن رصدها مبكّراً مثل تلك التي تأتي من جهة الشمس مثلاً أكبر من غيرها وقد لا تعطي الوقت الكافي للرصد والحرف.

صدم أو تفجير؟

دار أيضاً نقاش بين العلماء حول أفضل السبل لحرف مسار الكويكب الخطر، حيث ثمّة احتمالان. الأوّل هو عبر تفجير رأس نووي بالقرب منه ممّا يعطيه الطاقة اللازمة للانحراف، أمّا الثاني فهو تصادم حركيّ عن طريق جسم سريع وثقيل، قادر على حرف مساره مثل طابات البليار المتناثرة بعد الاصطدام، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال قذيفة مدفع كبيرة. وعلى السرعات الكبيرة يمكن أن تكون تقنية الاصطدام أفعل وأقوى تأثيراً من قوّة وتأثير الانفجار نفسه على مسار الحركة.

ماذا يمكن أن نفعل؟

لا يمكن التغاضي عن هذا الاحتمال القائم، على الرغم من ندرة احتمال حدوثه، إذ يمكن أن تشكّل هكذا حالات خطراً على بقاء البشريّة كلّها، مع وجود كل هذه الأجسام الفضائية السابحة حولنا. وكما حصلت اصطدامات كبيرة مدمّرة في ماضي كوكب الأرض، فهي يمكن أن تحصل مستقبلاً ولو بعد مئة عام. بجميع الأحوال، علينا أن نأخذ ذاك الاحتمال بالاعتبار حتّى لا يكون مصيرنا كمصير الديناصورات التي انقرضت تحديداً إثر اصطدام كبير مشابه. ما يمكننا فعله هو وضع خطة ذكيّة صغيرة، وبناء ما تستلزمه تلك الخطة احتياطاً وتحسّباً لاحتمال استعماله يوماً ما قد يكون قريباً أو بعيداً جدّاً.