مع إعلان دخول لبنان نادي الدول النفطية قبل نهاية هذا العام بقليل، تضاف الآثار البيئية الكارثية المتوقعة من هذا الملف إلى الملفات البيئية التقليدية، وهي بمجملها، وبالرغم من كثرتها وتراكمها دون معالجة طوال السنوات الماضية، أقل خطورة من الآثار الكارثية المحتملة لتحول لبنان دولة نفطية. يمكن لمن يقوم بجردة أولية لاستطلاع حالة البيئة في لبنان، أن يلحظ بسهولة، مدى التراجع الخطير الحاصل في الملفات البيئية الرئيسية التي «تديرها» وزارة البيئة...
وتلك التي لا تديرها. من ملف إدارة النفايات الذي تراجع بشكل دراماتيكي، بعد أن أصبح بعهدة مقاولين عاديين وتم ردم البحر والتخطيط لتوسيعه مرة أخرى، إلى ملف المقالع والكسارات وشركات الترابة الذي لا يزال يراوح في دائرة العشوائية وعدم الانضباط بقوانين والتشويه والتهرب من دفع الضرائب الحقيقية للخزينة، الى القفزة النوعية في قانون الصيد البري بتشريع القتل بفتح «الموسم»، الى الاستمرار بتهديد التنوع البيولوجي، الى الفلتان في ملف الأمن الغذائي وإعادة السماح بإدخال مبيدات مسرطنة، الى الاستمرار في تدفق مياه الصرف دون معالجة وتهديد سلامة المياه السطحية والجوفية، والاستمرار في سياسة السدود السطحية بكلفة عالية شبيهة بكلفة معالجة مياه السدود القديمة، إلى عدم اتخاذ أي إجراء للتخفيف من تلوث الهواء من مصادره كافة...الخ. وقد دخلنا في مارينا بأسوأ سنة بيئية عرفتها الطبيعة اللبنانية… وأسسنا فيها لحقبة سوداء جديدة

قد لا تتحمل وزارة البيئة المعنية وحدها المسؤولية عن الانهيارات في الملفات كافة، حيث تتقاطع العديد منها التي تديرها مع وزارات وإدارات رسمية أخرى في البلاد، إلا أنها، حسب قانون إنشائها، تتحمل المسؤولية الأكبر في وضع الاستراتيجيات والسياسات لكافة المواضيع والتي قصرت في مقاربتها منذ إنشائها.

غياب الاستراتيجيات

لم تضع وزارة البيئة منذ نشأتها وحتى تاريخه، استراتيجية متكاملة للتنمية المستدامة في لبنان والتي من خلالها تحدد المشكلات بكل أبعادها وتحدد الرؤية والأهداف البعيدة والقصيرة المدى ويتم وضع الأولويات للمعالجة، وفق معايير محددة وبرامج العمل... وهكذا حتى لا تتغير الاهتمامات حسب تغير الوزراء وأهوائهم ومصالح بعضهم، وحسب متطلبات السياسات والساسة والقوى التقليدية كافة. هذه الاستراتيجية التي يفترض أن تشارك بها أكثرية الوزارات في الدولة وبرعاية رئيس الحكومة. جرت محاولة للبدء بوضعها ومناقشتها مع الوزير محمد المشنوق حين دعا إلى اجتماع في السراي برعاية الرئيس تمام سلام منذ ما يقارب السنتين لإطلاقها… إلا أن الموضوع وقف عند هذا الحد، بالرغم من ضعف الإطار الاستراتيجي الذي كان مطروحاً. وهذا العام، تم توجيه رسائل الى الوزارات لتسمية من تراه مناسباً للمشاركة في اللجنة التي ستعمل على هذا الموضوع، إلا أننا لم نفهم بناء على أية أسس وبأي اتجاه وضمن أية مهلة ومن سيتولى إدارة هذا الموضوع وما هي مقدراته!

النفايات: أكثر من نوع ومن مشكلة

بين الملفات الأساسية التي لا تزال تتفاقم وتتراكم، تابع ملف النفايات المنزلية الصلبة خروجه من جميع الأطر البيئية، ليتحول إلى ملف يتعهد إدارته مقاولون عاديون، يخططون لردم البحر ولتوسيع البر والاستثمار فوق أنقاض الكوارث البيئية المتراكمة في العقارات المردومة، بعد تقاسم الحصص بين المقاولين الملتزمين والبلديات والقوى السياسية والحزبية المسيطرة في المناطق والممثلة في مجلس الوزراء أيضاً. أما باقي أنواع النفايات، فلم تدخل لا في مقترحات وزارة البيئة ولا في أجندات المقاولين غير المتخصصين بالطبع وقد سجل هذا العام ظهور دراسة جديدة مطورة لدراسة عام 2011 عن تطور عدد المكبات العشوائية بعد الأزمة الأخيرة عام 2015 إذ أصبح عدد مكبات النفايات العشوائية 880 مكباً، لجميع أنواع النفايات بعد أن كانت 670 مكباً عام 2011، بزيادة المكبات العشوائية بنسبة 31%!
لم يستطع مجلس الوزراء حتى آخر جلسة بحث فيها ملف النفايات المنزلية الصلبة أن يحسم طريقة معالجة هذا الملف مع العلم أن حجم النفايات الخطرة في لبنان التي تنتج من المنازل يبلغ 4000 طن في اليوم بينها 4000 طن تصنف خطرة سنوياً. يضاف إلى ذلك مشكلة النفايات الصناعية المختلفة (188850 طناً سنوياً) التي لم يتم وضع خطط لمعالجتها ولا تم اختيار الأماكن الصالحة لهذه الغاية. ونفايات المستشفيات (4-5 آلاف طن في السنة) لم يتم الالتزام كثيراً بمرسوم تنظيم معالجتها وقد رفعت وزارة البيئة الكثير من الدعاوى على المراكز الصحية من أجل الالتزام. بالإضافة الى نفايات المسالخ (40 ألف طن في السنة) التي لا تعالج بطرق سليمة بيئياً وبغياب تحديث كاف للمسالخ. بالإضافة الى مشكلة معالجة النفايات السائلة لا سيما مياه الصرف والوحول التي ستنجم عن محطات معالجتها بعد إنشائها والمقدرة بما يقارب 252 طناً في اليوم.
وقد عقدت اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة هذا الملف في الأسبوع الأخير من هذه السنة وأقرت بعض المبادئ التي اقترحتها وزارة البيئة في آب الماضي (من دون استراتيجية شاملة!)، بعد أن كانت معظم القوى السياسية الممثلة في الحكومة قد وضعتها جانباً، وتبنت خيار توسيع مطامر الشاطئ في برج حمود والكوستا برافا، لحين جهوزية فكرة إنشاء محارق للنفايات وتوليد الطاقة، وقد تقدم وزير الطاقة باقتراح أن تقوم البلديات بتبني هذا الخيار، وكأن محارق النفايات، هي بمثابة مولدات للطاقة الكهربائية تعمل على النفايات بدل المازوت والفيول أويل!
هذا وكانت اللجنة الوزارية نفسها هي التي اقترحت توسيع المطامر على الشاطئ من دون أن تقوم بأي مراجعة لتلك الخطة الطارئة التي كان يجب أن تدوم لأربع سنوات ومن دون أن تحصل أي محاسبة!

اللجوء وزيادة السكان

صدر أكثر من دراسة في السنوات الأخيرة عن الأثر البيئي لأزمة النازحين السوريين، لا سيما حول زيادة في إنتاج النفايات والضغط على البيئة والتنوع البيولوجي (لا سيما قطع الأشجار في فصل الشتاء) وزيادة الطلب على المياه وتلوثها… إلا أن هذه المشكلة المستجدة، لا ولن تستطيع من وجهة نظرنا، أن تطغى على المشاكل "الأصلية"، لا سيما تلك المتمثلة بزيادة السكان.

تلوث الهواء القاتل البيئي الأول
في لبنان ... ولا استراتيجية

لا تطرح قضية السكان في لبنان من ضمن القضايا الوطنية الكبرى، مع أن زيادة وسوء التوزيع وتمركز السكان يمكن اعتبارها من أولى المشاكل وأخطرها، أو المسبب الأول لها، نظراً إلى الضغط الذي تتركه على البيئة والاقتصاد وعلى المستويات كافة. تبين الدراسات السكانية في لبنان أنه إذا استمر النمو السكاني في لبنان بمعدل واحد في المئة، فإن عدد السكان الإجمالي في لبنان سيرتفع إلى ما يقارب 6 ملايين نسمة في عام 2030، مع استثناء عوامل الهجرة الخارجية وزيادة الوافدين. علماً أن التطور السكاني بين 1970 و1979 حصل في الوقت الذي تعرضت فيه آليات النمو الديمغرافي لانخفاض كبير في نسبة الولادات.

فتح موسم صيد الطيور أم إبادتها!

ضغط تجار أسلحة الصيد وذخيرتها والصيادون والتجار الجدد كشركات التأمين والتدريب للعودة عن قرار منع الصيد (الذي لم يكن يُحترم أصلاً)... فتم الإعلان هذا العام ولأول مرة منذ اتخاذ قرار منع الصيد في التسعينيات عن فتح "موسم الصيد"، وقد اعتُبر هذا القرار هذا العام نكسة بيئية كبرى، يتوقع بعده أن تتم استباحة قتل الطيور في لبنان بشكل "منظم"، تطبيقاً للقانون! وقد توقع الخبراء المحايدون بأن السماح مجدداً في الصيد، مقدمة حتمية لإبادة العديد من أصناف الطيور، المهددة أصلاً بالانقراض، والتي لها وظائف ايكولوجية، لا تعوّض ولا تقدر بثمن، تماماً كغيرها من الكائنات المهددة بفعل سوء الإدارة لموارد الطبيعة.

تشوهات المقالع تتمدد

لا يزال موضوع تنظيم عمل المقالع والكسارات والمرامل والحجر التزييني ومجابل الباطون يراوح مكانه ضمن الأعمال العشوائية ولم يحصل أي تقدم خلال هذا العام. لا بل زادت التشوهات أينما كان. وبدل أن تتقدم وزارة البيئة بمشروع قانون تنظيمي جديد ومخطط توجيهي جديد، تقدمت بتاريخ 25/7/2017 الى رئيس مجلس الوزراء بـ"مشروع قرار لتنظيم عمل مقالع الصخور للكسارات ومقالع حجر التزييني ومحافر الرمل القائمة دون ترخيص والمتعلق بآلية الترخيص لهذه الاستثمارات لفترة انتقالية مدتها سنتان".
كان قد سبق هذه المراسلة كتاب صادر عن وزير الداخلية والبلديات في شهر نيسان الماضي بوقف أعمال المقالع والكسارات والمرامل غير المرخصة (باستثناء مقالع شركات الترابة!) وإعطائها مهلة شهر لتشريع أوضاعها. ولأن الطلبات المقدمة للترخيص تكاد لا تذكر بالنسبة لعدد تلك غير المرخصة، تم إعادة الوضع الى ما كان عليه، اي الاستمرار بالعشوائية! كان واضحاً حجم الإرباك في تناول هذا الملف وعدم الاحتراف في مقاربته، إذا لم نقل عدم وجود نية حقيقية في تنظيمه. وكان آخر إحصاء ومسح لشعبة المعلومات عام 2010 قد بين أن هناك ما يقارب 700 موقع في هذا القطاع، وقد تم التشكيك آنذاك بطريقة القيام بالمسح وطريقة تنظيم الجداول.
وكانت آخر دراسات المخطط التوجيهي الشامل للأراضي اللبنانية التي أعدها فريق لبناني – فرنسي لمجلس الإنماء والإعمار بالتعاون مع إحدى الشركات الفرنسية، قد قدرت المساحة المشوهة بفعل عمل المقالع والكسارات قد بلغت أكثر من 3000 هكتار! هذا التشويه الذي ضرب أجمل المناطق اللبنانية الطبيعية، قد توسع كثيراً بفعل السياسات الخاطئة والعشوائية في إدارة هذا الملف. كما قدرت إحدى الدراسات التي رفعت الى وزارة البيئة منذ سنوات عدة، الخسارة السنوية لخزينة الدولة والعائدات التي كان يمكن أن تحققها الخزينة من هذا القطاع، لناحية رسوم الترخيص وبدل الاستثمار ورسوم المراقبة والتي رفعت الى وزارة المالية لإقرارها، والتي كان يفرض أن تطال المقالع والكسارات ومحافير الرمل ومجابل الزفت، ومقالع الصخور لصناعة الموزاييك، ومقالع الحجر التزييني وحجر البناء ومقالع الصخور لصناعة الترابة... بأكثر من 24 مليار ليرة لبنانية سنوياً.
وقد قدرت هذه الدراسة المجموع السنوي العام للرسوم التي يفترض أن تُجبى من قطاع مقالع الكسارات فقط ما يقارب 9 مليارات ليرة لبنانية. هذا من دون احتساب الأرباح التي يمكن أن تؤمنها الخزينة جراء تأجير الأراضي، كون معظم المناطق التي كان يفترض تصنيفها في السلسلة الشرقية، هي مشاعات أو ملك الدولة.

تلوث الهواء يتفاقم

قدرت إحدى دراسات البنك الدولي، منذ عشر سنوات تقريباً، كلفة معالجة الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء بأحد الملوثات فقط (الجزيئات الدقيقة) بما يزيد عن عشرة ملايين ونصف المليون دولار أميركي في السنة. واعتبرت جمعية الأمم المتحدة للبيئة التي انعقدت منذ شهر تقريباً في نيروبي، أن تلوث الهواء هو الأكثر تسبباً بالوفيات لأسباب بيئية في العالم. وبالرغم من ذلك، لا يزال لبنان من دون استراتيجية شاملة لمعالجة تلوث الهواء من جميع مصادره. وقد صدر مسودة عن هذه الاستراتيجية، تبين أنها غير مستوفية شروط تصنيفها استراتيجية، ولم تظهر الى العلن ولا تمت مناقشتها مع أحد من خارج فريق في وزارة البيئة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما حصل إعلان أن زيادة بعض مراكز رصد تلوث الهواء، مع العلم أن كل الدراسات السابقة المقارنة، كانت تؤكد منذ أكثر من عشرين سنة، أن حالة تلوث الهواء في المدن الرئيسية وفي بعض فصول السنة، وعند الذروة في أزمات السير، تتخطى كل المعايير، وكان يفترض منع التجول في أكثر من مئة يوم في السنة تقريباً، لو كنا في دولة تقيس ولديها استراتيجية لكيفية التعامل مع قضية تلوث الهواء الخارجي.

80% من المياه السطحية والجوفية ملوثة في لبنان

وعلى الرغم من صدور القانون رقم 341 منذ فترة طويلة والرامي الى التخفيف من تلوث الهواء المديني الناجم عن قطاع النقل (فقط)، الذي اعتبر خطوة متقدمة "للتخفيف" من تلوث الهواء، إلا أن هذا القانون لم يطبق ولم تصدر كل مراسيمه التنظيمية كلها، لا سيما في المعاينة الميكانيكية السنوية وعدم تطبيق قانون السير. وبالرغم من منع استخدام البنزين المحتوي على مادة الرصاص في وسائل النقل، إلا أن المشكلة باتت أكبر مع زيادة عدد السيارات وزيادة الازدحام، كما تم بتر معالجة تلوث الهواء من دون ربطها بخطة وطنية شاملة لإدارة قطاع النقل البري تقوم على تشجيع استخدام النقل العام وبسياسات للطاقة تقوم على تشجيع استخدام الوقود الأقل تلويثاً. وتأخر الدولة في إيجاد بدائل عن المولدات الخاصة في الأحياء وتشجيع الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة.
وبالرغم من بعض التقدم الذي حصل هذه السنة في تلزيم إنتاج الطاقة من الهواء في منطقة عكار، والتوسع في استخدام السخانات الشمسية وتوليد الطاقة من الشمس، إلا أن لبنان لا يزال متأخراً جداً في سن التشريعات التشجيعية والاستفادة من كل الطاقات النظيفة ولا سيما الطاقة الكهرمائية التي ظلت من دون أي تقدم، مع أنها كانت الأهم في لبنان قبل بناء أول معمل حراري في الذوق، تاريخياً.

الصرف «غير الصحي»

عرف لبنان في السنوات الأخيرة أكبر ضجة حول نفاياته المنزلية الصلبة، أما الفعل الحقيقي فهو دائماً للنفايات السائلة، التي تفعل فعلها من تلويث للمياه الجوفية ومياه الأنهر والبحر بصمت. يخلف لبنان ما يقارب 250 مليون متر مكعب من المياه المبتذلة سنوياً، التي ترمى في البحر وتتسبب بتلويثه أو في الأودية والسواقي والأنهر والتي تتسبب بتلويث التربة والمياه الجوفية. وقد تم إنشاء محطات معالجة من دون الشبكات، أو شبكات من دون محطات! ويقدر الخبراء الكلفة الإجمالية لبعض المشاريع في المدن الرئيسية بما يتجاوز النصف مليار دولار، بما فيها كلفة استملاك الأراضي والتشغيل والصيانة. وتتخوف مصادر أخرى من عدم وجود العنصر البشري المختص لتشغيلها بعد الإنشاء والتي تتطلب أكلافاً إضافية في المستقبل، بالإضافة الى مشكلة إدارة الوحول التي ستنتج عن المحطات والتي تحتوي على كائنات مجهرية تنقل الأمراض وملوثات عضوية وغير عضوية خطرة وسامة. ولا يزال هذا الموضوع دون الاهتمام المطلوب ولا يربط من ناحية التخطيط بإدارة المياه العذبة، مع العلم أن زيادة هذه الأخيرة بإنشاء السدود المكشوفة كما هو مخطط، يعني زيادة في كلفة معالجة المياه المبتذلة (أكثر من دولار للمتر المكعب في أقل تقدير)، مما يحتم أن تصبح فاتورة معالجة مياه الصرف أكثر كلفة من تأمين مياه الشرب.

حماية الغابات والتحريج

خسر لبنان الكثير الكثير من مساحاته الخضراء، وتتراوح أفضل التقديرات الحالية لمساحة الغابات من 4 الى 7 في المئة من مساحة لبنان حسب إحصاءات "الفاو".
وباتت المواقع والمناطق المحمية قانوناً والتي لا يتجاوز عددها 33 موقعاً مكلفة جداً، حسب الهبات التي صرفت عليها في السنوات الماضية، وهي تطلب دراسة جدوى وإعادة تفكير في طرق الحماية والإدارة. كما تشوب عمليات إعادة التحريج شوائب كثيرة وقد قدرت بعض الدراسات كلفة إعادة تحريج 200000 هكتار لإعادة الخضار إلى 20% من مساحة لبنان على مدى ثلاثين سنة بألفي ليرة لبنانية للشجرة الواحدة (وتشمل إنتاجها وزرعها والعناية بها لمدة سنتين) أي ما يقارب 1500000 ليرة لبنانية للهكتار، يضاف إليها أكلاف الحماية والعناية. ويخسر لبنان الكثير من غطائه النباتي كل سنة من أسباب عدة في طليعتها الحرائق (خسارة 35 كيلومتراً مربعاً من الغابات والأحراج بالحرائق بين عامي 1998و2000). وتحتاج خطط الحماية الحقيقية من الحرائق إلى بناء العديد من أبراج المراقبة وخزانات المياه الصغيرة في قلب أهم الغابات (التي لم تنجز بعد) للتدخل السريع عندما تكون الحرائق في بداياتها، حيث يسهل إطفاؤها والتخفيف من كلفة شراء آليات الإطفاء والطائرات وشق الطرقات، التي تسبب مشكلة هي أيضاً ومن نوع آخر.
ويخسر لبنان الكثير من تنوعه البيولوجي كل سنة (في لبنان 9500 صنف نباتي وحيواني) بسب خسارة مواطن هذه الكائنات جرّاء تمدد كل أشكال العمران (بناء المنازل وشق الطرقات...) واستعمال الأسمدة والمبيدات والرعي الجائر والصيد والحرائق... الخ.

تراجع الزراعة والصناعة

في قطاع الزراعة، لا يزال لبنان يفتقد الى السياسات لتشجيع الزراعات العضوية الخالية من استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية التي تتسبب بتلويث التربة والمياه الجوفية وتهدد سلامة الغذاء. ولا تزال الزراعات المروية تشكل أكثر من 40% من مجمل الأراضي الزراعية وتستهلك ما يقارب مليار متر مكعب من المياه.
أما القطاع الصناعي الذي ينتج حوالى 189 ألف طن من النفايات الصناعية سنوياً، بينها 3400 طن تصنف خطرة، لا تزال دون حلول، في وقت ينتشر حوالى 82% منها خارج المناطق الصناعية، وداخل المناطق السكنية!

سوء إدارة المياه:

80 % من المياه الجوفية ملوثة في لبنان. وقد بلغت الكلفة السنوية للفاتورة الصحية الناتجة عن تلوث المياه، حسب دراسة تقرير البيئة الذي رفع الى وزارة البيئة عام 2010، بما يتعدى 7 ملايين دولار أميركي، كما قدرت الزيادة في استهلاك المياه المعبأة (الناتجة عن تلوث المياه) بما يقارب 8 ملايين دولار أميركي سنوياً.
هذا وقد دفع هذا الوضع الى انتشار شركات لتعبئة المياه بالمئات من دون تراخيص ولا مواصفات ولا مراقبة، ولا يزال هذا الموضوع دون حلول حتى الآن، في وقت تقصر مصالح المياه في إيصال المياه الصالحة للشرب الى جميع اللبنانيين، من سوء الادارة وليس من قلة المياه. وتجهد سياسات وزارة الطاقة والمياه لإنشاء السدود السطحية المكلفة وغير الضرورية، بدل أن تخفف من الهدر والسرقة وتعتمد على عدالة التوزيع وتغيير سياسات الاستهلاك في القطاعات كافة.




سلامة الغذاء تتراجع


حصل بعض التراجع في ملف سلامة الغذاء إذ أعاد وزير الزراعة السماح باستيراد واستخدام بعض أنواع المبيدات التي سبق لوزيري الصحة والزراعة السابقين منعها. واستمرار وجود 6 ممثلين عن الشركات في اللجنة التي تقرر السماح او عدم السماح بادخال المبيدات ولا سيما المشكوك بأمرها بأنها مسرطنة! كما لم تشكل بعد الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء التي نص على إنشائها القانون 35/2015 بعد أن اعتبر إنجازاً منذ عامين.





ضعف الإطار المؤسساتي

على الرغم من بعض التوظيفات التي حصلت في الفترة الأخيرة، لا تزال وزارة البيئة تعاني من عدم كفاية الجهاز البشري المتخصص، ولا سيما في دوائر وضع السياسات والتوجيه والتوعية. ولا يزال حجم وموازنة المشاريع الدولية في الوزارة تفوق موازنة الوزارة نفسها، في وقت قد لا تكون هذه المشاريع من ضمن الأولويات الوطنية. ولا يزال قانون حماية البيئة بحاجة الى العديد من المراسيم التطبيقية. وبالرغم من صدور مرسوم "إلزامية دراسة الاثر البيئي للمشاريع" الذي يلزم أي مستثمر ان يقدم دراسة للأثر البيئي لمشروعه قبل المباشرة بالمشروع، لا تزال الكثير من المشاريع الكبيرة كإنشاء السدود السطحية أو المنتجعات السياحية أو شركات الاسمنت، تتهرب من هذه الدراسات، أو تذّور فيها. كما لا يزال المشروع الذي تقدمت به وزارة البيئة منذ آب عام 2012 والذي عرض أكثر من مرة على مجلس الوزراء هذا العام من دون البتّ به، والمتعلق باقتراح دراسة مخطط توجيهي لحماية قمم الجبال والمناطق الطبيعية وتنظيم استثمار الشواطئ والمساحات الخضراء والأراضي الزراعية في لبنان، الذي سبق أن اعترضت عليه وزارة الأشغال العامة والنقل التي اعتبرت أن أعداد المخططات التوجيهية هو من صلاحياتها.