بغداد | لم يكن 2017 ذا أحداث ثقافيّة مميّزة، إذ ألقت الحرب مع «داعش» بظلالها على كلّ مفاصل الحياة العراقيّة، لا سيما الشأن الثقافي والفني. إلا أنّ استمرار المثقفين والمبدعين بتحدّي الوضع القائم، هو السمة الأبرز لهذا العام؛ الأمر الذي يبقي الحراك الثقافيّ العراقي قادراً على التجدّد والانبعاث في أقسى الظروف.
شهد العام الحالي رحيل نخبة من الأدباء والفنّانين، ممّن خسرتهم الثقافة العراقيّة؛ لجهة الأثر الذي تركوه، منهم النحّات والرسّام راكان دبدوب الذي وافته المنية في مدينته الموصل، والفنّانة ناهدة الرماح التي رحلت في احد مستشفيات بغداد، والروائي العراقي حميد العقابي الذي توفي في الدنمارك، والتشكيلي كامل حسين في مدينته بابل.
ورحل أيضاً الناقد ناظم السعود (في كربلاء)، والنحّات عبدالرحيم الوكيل (لندن)، والصحافي والمترجم سعدي عبداللطيف (لندن)، والفنان الرائد فاضل خليل (بغداد)، ومن ثمّ الفنّان ريسان مطر (القاهرة).
آخر الخسارات في سجل الغائبين هذا العام، هو الفنّان الرائد بدري حسون فريد. بعد معاناة مع المرض، رحل فريد في أربيل التي استقرّ فيها منذ أعوام بعد عودته من المغرب.
وفاز الروائي العراقي عبد الخالق الركابي، بـ «جائزة سلطان العويس» في حقل القصة والرواية والمسرحية. وعُدت رواية «حدائق الرئيس» للكاتب محسن الرملي، بحسب صحيفة الـ «غارديان»، ضمن أفضل الكتب لعام 2017.
أما الباحث العراقي سعيد الغانمي، فقد حاز «جائزة الشيخ زايد» (الدورة 11)، فرع الفنون والدراسات النقديّة، عن كتابه «فاعلية الخيال الأدبي» («منشورات الجمل» ــ 2015)، الذي تناول فيه إشكالية نقديّة، خلال دراسته لنصوص الأساطير والفلسفة والتاريخ القديم في بلاد الرافدين، وفاز الباحث عبدالجبار الرفاعي بـ «جائزة الشيخ حمد للإنجاز والتفاهم الدولي» في الدوحة.
وضمّت القائمة القصيرة لـ «جائزة الملتقى للقصة القصيرة» كتاب «قرب شجرة عالية» للؤي حمزة عباس. ونال الروائي العراقي ضياء جبيلي المركز الثاني في «جائزة الطيب صالح العالميّة للإبداع الكتابي» في مجال القصّة، عن مجموعته القصصيّة المخطوطة «ماذا نفعل بدون كالفينو؟»، لتكون أوّل جائزة يحصدها في حياته.
على الصعيد السينمائي، تألّق المخرج العراقي علاوي سليم حصد في «مهرجان دبي السينمائي»، إذ نال جائزة «المهر الخليجي القصير» عن فيلم «أرض الآباء». وفي المسابقة ذاتها نال ضياء جودة جائزة «لجنة التحكيم» عن فيلمه «سبيّة».
فيلم «أرض الأباء» سلّط الضوء على المشكلات التي تخلفها الهجرة وصراع الأجيال، ممثلاً بعلاقة أب بابنه، وهما في رحلة اغتراب صوب الدنمارك. أمّا «سبيّة» فرصد حكاية امرأة أزيدية، آثرت البقاء في بيتها برغم خطر «داعش»، الذي ذهب زوجها لمواجهته.
وضمن «مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان» في عمّان، ذهبت جائزة «ريشة كرامة» لأفضل فيلم وثائقي طويل مناصفةً، بين الفيلمين العراقي «الفرقة» للمخرج الباقر جعفر، والسوري «ذاكرة باللون الكاكي» للمخرج الفوز طنجور.
وشهد هذا العام توزيع «جائزة ابن بطوطة» لأدب الرحلات المقدمة من «المركز العربي للأدب الجغرافي». وفاز بجائزة هذه الدورة، الشاعر شاكر لعيبي عن تحقيق كتاب «رحلة أبي دلف المسعري في القرن العاشر الميلادي»، وتسلّمت الروائية العراقية لطفية الدليمي جائزة «الرحلة المعاصرة - سندباد الجديد» عن كتابها «مدني وأهوائي - جولات في مدن العالم». وذهبت جائزة الترجمة الى المفكّر فالح عبد الجبار عن ترجمته لرحلة غوته الى ايطاليا «رحلة ايطالية 1786-1788»، ونال المعمار العراقي هشام منير (1930) جائزة تميّز للإنجاز المعماري مدى الحياة.
على صعيد الفعاليات الثقافيّة، واصل «اتّحاد الأدباء والكتّاب» عقد جلسات «منبر العقل» الذي يبحث في قضايا اشكاليّة مداها سياسي واجتماعي من منطلق ثقافي وفكري. وعزّزت بعض المقاهي من حضورها بوصفها مقاهي ثقافيّة احتضنت الكثير من الندوات وحفلات توقيع الكتب، مثل مقهى «رضا علوان» و«كهوة وكتاب». واستمرّت «جمعية الفنّانين التشكيليّين العراقيّين» بإقامة المعارض المشتركة للمحترفين وللشباب. كما شهدنا إقامة «ملتقى قصيدة النثر الثالث» في البصرة، الذي نجا فيه وفد الأدباء الضيوف من تفجير انتحاري على طريق الناصرية- بصرة. وأعلن «بيت الشعر العراقي» عن اختتام أعمال دورته الثانية بإنجاز المرحلة الأولى من مشروع «مقاطع للمارّة».
وعلى صعيد الانتاج السينمائي والمسرحي، فقد أنجز المخرج محمد الدراجي فيلمه الجديد «الرحلة»، وأتمّت الفرقة القومية للتمثيل موسمها المسرحي لعام 2017، بعدة عروض، منها «سينما» للمخرج كاظم النصار، و«وقت ضايع» لتحرير الأسدي.
وأقيم في بغداد مهرجان سينمائي جديد، هو «3 دقائق في 3 أيام» الذي نظّمته «مؤسّسة مدينة الفنّ». احتفى الحدث بالأفلام القصيرة لطيف من السينمائيّين الشباب. أما على صعيد الإصدارات التي نالت شيئاً من الاحتفاء والمتابعة، فقد صدر للقاص الرائد محمّد خضيّر كتاب «ما يُمسك وما لا يُمسك» (دار المتوسط) الذي هو «انشاءات سيريّة» تتأرجح بين القص والسرد. وصدر للشاعر فوزي كريم عن «دار المتوسط» كتب نقديّة عدة هي: «شاعر المتاهة وشاعر الراية.. الشعر وجذور الكراهية»، و«القلبُ المفكر، الشعرُ يُغنّي، ولكنّه يُفكّر أيضاً»، فضلاً عن طبعة ثانية، مزيدة ومنقحة، من كتابه المعروف «ثيابُ الإمبراطور، الشعرُ ومرايا الحداثة الخادعة». كما صدرت مجموعة من الكتب الجديدة للشاعر الراحل سركون بولص عن «دار الجمل» التي اهتمّت بنتاجه وتقديمه للقرّاء بين إصدارات شعريّة وكتب في السيرة والترجمة، وهي: «عاصمة آدم»، و«سيرة ناقصة»، و«رسالة إلى صديقة في مدينة محاصرة»، و«الهاجس الأقوى عن الشعر والحياة»، إضافة إلى كتابين صدرا قبل هذه القائمة، هما «سافرت ملاحقاً خيالاتي» (حوارات) و«رقائم لروح الكون» (ترجمات شعريّة مختارة). ومن ضمن اهتمامها بسركون، أعلنت «الجمل» أيضاً عن جائزة سنوية باسمه.
وانتهى هذا العام بتهديد الباحث والأكاديمي سعد سلوم من جهة مسلحة أمهلته شهراً كي يوقف نشاطه في «مؤسّسة مسارات» المهتمة بشؤون الأقليات والتنوع الثقافي والاثني في العراق، ممّا اضطره لمغادرة العراق قبل أيّام.