اللافت في حملة الدعاية التي بدأها بعض أبرز مؤسسات اللوبي الصهيوني البحثية والإعلامية في الغرب لمصلحة الأمير محمد بن سلمان، تزامنها مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة بلاده إليها. وقد اختار روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ــ أبرز مراكز اللوبي الإسرائيلي (الايباك) في الولايات المتحدة ــ ومجلة «لو بوان» الفرنسية ــ وهي الوسيلة الإعلامية الوحيدة في فرنسا التي انفردت بتأييد قرار ترامب بالنسبة إلى القدس والتي يكتب فيها المبشر الصهيوني برنار هنري ليفي مقالاً أسبوعياً ــ هذا التوقيت لتعريف الرأي العام، حسب تعبير ساتلوف بأمير «وعد بإحداث تغيير سريع وثوري في بلد لا يتحرك فيها، تاريخياً، شيء بصورة سريعة وتعتبر فيها كلمة ثوري بذيئة.
وقد سبق أن أثبت أنه صاحب أفعال، وليس مجرد أقوال، حين نجح في وضع كامل السلطة السياسية والعسكرية والاقتصادية بين يديه». أما «لوبوان» فقد عنونت: «الإسلام، الشرق الأوسط، القدس... الأمير القادر على تغيير كل شيء».
بعد الإشادة بالصفات الشخصية للأمير، وبحيويته وقدرته على المواءمة بين الالتزام الديني واحترام العادات والتقاليد وبين نمط حياة حديث، يركز ساتلوف في مقالته، و«لوبوان» في ملف من عشرين صفحة على الموضوعات ذاتها: الأمير مُصلح كبير هدفه تجديد الإسلام، عبر تنقيته من الشوائب التي علقت به نتيجة الفهم الخاطئ لتعاليمه الذي أشاعه المتطرّفون. هو قام بتحجيم نفوذهم داخل المؤسسة الدينية، وأطلق حملة لمكافحة أفكارهم داخل المجتمع وبدأ بسلسلة إصلاحات اجتماعية تهدف إلى وقف التمييز ضد النساء، أولها السماح لهن بقيادة السيارة. وهو يتصدى أيضاً لتحدٍّ صعب وخطير، هو مكافحة الفساد الذي تحوّل إلى نظام داخل المملكة... لكن الأهم، خصوصاً بنظر ساتلوف الذي ينبغي التذكير بأنه أول من استخدم مفهوم الاستقرار البنّاء في آذار 2005، وكذلك مفهوم «الهلال الشيعي» في مقابلة أجراها في شباط 2005 مع الملك الأردني عبد الله، هو موقف الأمير محمد بن سلمان من قرار ترامب المتعلق بالقدس. يقول ساتلوف: «كنا نتوقع انتقاداً صارماً للولايات المتحدة وإدانة حاسمة لترامب، إلا أننا سمعنا بدلاً من ذلك توبيخاً خفيفاً على قرار الرئيس الأميركي، ورؤية متفائلة بقيام شراكة بين السعودية وإسرائيل... سماع ولي العهد في مثل تلك اللحظة، يصرّ على كل من الشراكة الراهنة مع واشنطن والمستقبلية مع القدس، بعد تحقيق السلام، فاق كل توقعاتنا».
منذ عقود، اعتبر العديد من الحكام العرب أن تعزيز الشراكة مع واشنطن يفترض إبداء الاستعداد للتسوية مع الكيان الصهيوني ولسلام حارّ معه، ولكن مقابل بعض التنازلات عن الأرض التي احتلها. هذا هو جوهر مبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز، بداية في مقابلة مع الصحافي الصهيوني جداً للصدفة توماس فريدمان في شباط 2002، قبل أن تتبنّاها القمة العربية في آذار من العام نفسه، والتي كان هدفها الأول الحد من تدهور العلاقات السعودية ــ الأميركية ومن الحملة التي شُنّت على المملكة، بعد عمليات الحادي عشر من أيلول 2001. لكن الملك الراحل لم يجرؤ على إظهار عدم اكتراثه بالقدس. أما الأمير الصغير، فقد فعلها متناسياً كيف تدحرجت رؤوس ملكية بعد النكبة لأنها اتُّهمت ببيع فلسطين.