تضرب فوضى القرارات الحكومية، ولا سيما بشأن ملف النفايات، بنحو أكبر وأسوأ بكثير مما كنا قد توقعنا. التناقضات والفوضى بدأت مع إدارة هذه الحكومة لخطة طوارئ النفايات. صحيح أنها ورثت خطة بالغة السوء، إلا أنها لم تدرس هذا الملف ولم تعرف كيف تقيّم هذه الخطة وتحسّنها وتحصّنها وتخفف من آثارها السلبية ولا أن تصوغ استراتيجية بديلة طال انتظارها.
وكأن هناك قصداً ما لتضييع المسؤوليات وترك الأمور لإنجاز الصفقات السريعة على حساب الاستراتيجيات والدراسات العميقة، وعلى حساب، أو على حسابات أخرى، ليس لها علاقة بمصالح الناس وسلامة البيئة. صحيح أن المسؤولية الأكبر تتحملها وزارة البيئة التي لم تستطع مسك زمام المبادرة، بسبب إرباكات الوزير والإدارة والمستشارين (نؤجل الخوض فيها)، إلا أن اللجنة الوزارية المكلفة متابعة هذا الملف، لم تحسن أيضاً مراجعة هذا الملف. فهذه اللجنة خالفت توصيات وزارة البيئة (غير المدروسة) لتؤكد خيار المحارق ولتقترح توسيع المطامر والردم على الشاطئ واستحداث معمل للتسبيخ في الكوستابرافا، على غرار معمل الكورال. وكأن الذين أعدوا هذا القرار اكتشفوا شيئاً جديداً، أي حول ضرورة أن يكون هناك معامل لتسبيخ المواد العضوية التي تعَدّ أكثر من 50% من حجم النفايات الصلبة في لبنان، أو كأنهم لا يعرفون ما حصل في معمل الكورال!
فمجلس الوزراء الذي وافق في جلسته المنعقدة في 26/10/2017 على اقتراحات اللجنة الوزارية المكلفة بموجب قراره رقم 10 بتاريخ 11/1/2017، على دفتر شروط التفكك الحراري، طلب في الوقت نفسه وفي القرار نفسه من مجلس الإنماء والإعمار «تلزيم مكتب هندسي بيئي عالمي للقيام بدراسة تقييم أثر بيئي لدفتر الشروط المذكور إعلاه»، من دون أن يحدد الموقع المختار والأثر على ماذا!
كذلك طالب مجلس الوزراء في القرار المذكور نفسه مجلس الإنماء والإعمار أيضاً بالقيام بما يلزم لجهة استكمال الأعمال في مطمري الكوستا برافا وبرج حمود ودراسة توسيعهما و«استحداث مركز للتسبيخ بقدرة 750 طناً/يومياً في موقع الكوستا برافا مطابق لمعمل الكورال». ثم عاد وأكد قراراته هذه في جلسة أمس، وكأن تجربة معمل الكورال كانت ناجحة، وهو يطلب «نسخها» في الكوستابرافا!
فهل يعقل أن وزارة البيئة واللجنة ومجلس الوزراء لا يعلمون أن مناقصة أعمال فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة لمناطق بيروت الإدارية وجبل لبنان باستثناء عاليه والشوف وجبيل، التي رست لمصلحة ائتلاف «شركة الجهاد للمقاولات»، مع «شركة سوريكو» البلغارية بسعر 15.05$ لفرز طن النفايات، وبسعر 9.05$ لتسبيخ طن النفايات، وبلغت قيمة العقد النهائي قرابة ٨١ مليون دولار، على أساس احتساب الكمية الواردة يومياً إلى معامل الفرز في الكرنتينا والعمروسية بـ ٢٦٠٠ طن لأربع سنوات، وتشمل هذه الكلفة «تطوير معمل الكورال»، ورفع قدرته الاستيعابية من ٣٠٠ إلى ٧٥٠ طناً يومياً، ضمن مهلة زمنية لا تتعدى ثمانية أشهر من تاريخ التلزيم، على أن تبدأ الأعمال بتاريخ الأول من كانون الثاني ٢٠١٧؟ وهل يعقل أن مجلس الوزراء لا يعرف أن هذا الشق من العقد لم ينفذ ولم يُشغَّل معمل التسبيخ «الموسع» في الكورال بعد، وهو ما سبّب بشكل رئيسي فشل الخطة الطارئة ونفاد القدرة الاستيعابية للمطامر الشاطئية (السيئة أصلاً)؟!
فكيف يؤكد مجلس الوزراء أمس خياره «الاستراتيجي» باعتماد المحارق (لفترة تتجاوز عشرين سنة)، قبل أن تكون لديه استراتيجية مقنعة ومبررة لهذا الخيار أو غيره، تُطرَح للنقاش؟! وكيف يبشّر بمعمل تخمير في الكوستابرافا شبيه بمعمل الكورال المتعثر؟!
كنا قد سألنا أثناء إقرار الخطة الطارئة التي اقترحت توسيع معمل الكورال: إذا كان هذا الأمر ممكناً، فلماذا لم يطلب ذلك مجلس الإنماء والإعمار منذ 15 سنة مدد فيها للخطة الطارئة عام 1997، وكان مطمر الناعمة لا يزال صالحاً للاستخدام بشروط ومواصفات أفضل من تلك للخطة الطارئة الحالية؟ ولماذا لم تتضمن الخطة إنشاء معامل للفرز والتسبيخ في برج حمود والكوستا برافا مع خطة للفرز من المصدر، لتطويل فترة المطامر إلى أكبر فترة ممكنة؟ وقد استنتجنا حينها أن الحكومة وأركانها أمام مشروع استثماري للشاطئ، وليس أمام حل لمشكلة النفايات!
فمن يحاسب من يضع الخطط الطارئة وغير الطارئة ومن لا يلتزمها؟ وهل طرحت المحاسبة في مجلس الوزراء أمس وفي الجلسات السابقة قبل أن يُطرَح تمديد خطة الطوارئ وتوسيع المطامر، بالرغم من أننا كنا من بين المحذرين من هذه العواقب، ولفتنا إلى كل هذه الإشكاليات (وغيرها) قبل حصولها! وهل سنترك للأجيال القادمة أن تحاسب على الخيار «الاستراتيجي» في المحارق، أم يتحرك أحد الآن قبل فوات الأوان؟

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]