تسارعت وتيرة معالجات ملف النفايات مؤخراً، كتسارع ضربات سبّاح غير ماهر وخائف، على وشك أن يأخذه التيار. لا شك أن «التيار» قوي وجارف، إلا أن كثرة «التخبط» في مثل هذه الحالة تنهك وتؤدي حتماً إلى كارثة الغرق أكثر وأكثر، في أزمات أكبر وأكبر.
ففي وقت أقر مجلس الوزراء «ملخص السياسة المستدامة للإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية» في جلسته المنعقدة في 11/01/2018، والتي تحتاج الى نقاش وتطوير في استراتيجية أشمل وأعمق، كان وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل قبل أسبوع، قد رفع إلى رئيس الحكومة مسودة مشروع قانون يجيز للقطاع الخاص تشييد وإنشاء معامل لمعالجة النفايات الصلبة وتحويلها إلى طاقة كهربائية وبيعها إلى (النص يقول «من») مؤسسة كهرباء لبنان، بعد الاستحصال على التراخيص القانونية اللازمة من وزارة الطاقة والمياه، وتفوض الوزارة نفسها سحب أو تعليق أي ترخيص في حال مخالفة المرخص له الشروط التي على أساسها منح الترخيص أو في حال نتج عن تشغيل المعمل أي أضرار بالبيئة أو بصحة الإنسان. وقد تجاهل هذا المشروع أيّ دور لوزارة البيئة و سياساتها واستراتيجيتها! وهو في حال تبنّيه على مستوى البلديات واتحادات البلديات، كما يخطّط البعض، سيؤدي إلى استباحة المناطق وتحويل لبنان إلى محرقة لامركزية كبيرة وخطيرة!
التخبط ظهر الأسبوع الماضي أيضاً عند الإسراع في مناقشة قانون النفايات لإقراره في اللجان المشتركة وطلب رئيس لجنة البيئة أكرم شهيب مهلة ثلاثة أسابيع (فقط) لتعديل القانون المقترح ليتماشى مع سياسات الحكومة وقرارات مجلس الوزراء ما قبل الأخير. وإذا ما ربط كل ذلك مع اهتمام مضاعف من الاتحاد الأوروبي للاستثمار في ملف النفايات وإرسال الكثير من الخبراء في الفترة الأخيرة لهذه الغاية مع بعض التمويل… نصبح أمام مشهد غاية في التلبد والتعقيد، خصوصاً مع إعلان فشل معامل للفرز والتخمير في أكثر من منطقة وفي مشاريع يموّلها الاتحاد الأوروبي نفسه، كما حصل مؤخراً في طرابلس!
وإذا ربطنا كل ذلك مع صدور المرسوم 167 العام الماضي والمتعلق بالتخفيضات على الرسوم الجمركية وعلى الضرائب للتجهيزات والتكنولوجيات التي تسمح بتفادي التلوث أو تقليصه، (واعتبار المحارق بين تلك التجهيزات والتكنولوجيات) يمكن للصورة أن تكتمل، لنجد أنفسنا أمام صفقة العصر، بإغراق لبنان بالمحارق الصغيرة، التي طمح إليها بعض الوزراء السابقين في الفترة الماضية ولم ينجحوا في تسويقها. وربطنا هذا المرسوم مع قرار مجلس الوزراء المذكور الأخير بالتأكيد على إطلاق مناقصة محارق النفايات (بالجملة) خلال 6 أشهر وتحديد المناطق (مع اعتقادنا أن التأجيل هو لأسباب انتخابية فقط).. تتضح الصورة أكثر.
فهل نحن أمام توافق سياسي واسع على تحويل البلد إلى محارق للنفايات وتسريع تشريع ذلك على نار حامية، استباقاً لأي تفكير أو إجراء استراتيجي؟
يعترف كل من عمل عن قرب أن حول «السياسة المستدامة للإدارة المستدامة للنفايات» التي أقرها مجلس الوزراء معدلة مؤخراً، أو في «قانون النفايات» الذي بدا الإعداد له منذ عشرين سنة وأحيل أول مرة إلى مجلس النواب عام 2012، أن هناك حاجة لاستراتيجية أشمل. وقد ذكرت ملخص السياسة في الفقرة السادسة منها، أنه بعد إقرار مجلس الوزراء لهذه «السياسة» وبموازاة البدء بتطبيقها، على وزارة البيئة أن تعدّ «الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات». كما ينصّ مشروع قانون النفايات الذي يناقش حالياً في اللجان النيابية المشتركة (سبق أن تناولنا مضمونه وإشكالياته في أكثر من مقال)، في المادة الثامنة منه على أن تقرّ وزارة البيئة الاستراتيجية المذكورة خلال فترة لا تزيد عن 12 شهراً من تاريخ صدور القانون. إلا أن أحداً لم يسأل لماذا لم يتم إعداد هذه «الاستراتيجية» التي يفترض أن تسبق السياسات والقوانين والمراسيم التنظيمية والخطط والتلزيمات والصفقات؟ ولماذا تم إهمال وضعها دائماً على حساب الخطط الطارئة التي انتقلنا منها من سيئ إلى أسوأ ومن مشاريع طمر خطرة إلى محارق أخطر؟ وإذ لا يبدو السؤال صعب الإجابة في ظل هذه الهجمة على الاستثمار في الأزمة المستمرة، نؤجل البحث في التفاصيل إلى مقال لاحق.

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]