القارئ المتابع عرف بظهور هذه الحركة (أم حركات!) في مسرح الجريمة والإرهاب في نيجيريا عبر تداول الأخبار عن اختطافها المستمر لمجموعات كبيرة من الفتيات، ما جعل بعضهم يطلق عليها، من باب السخرية، اسم «بوكو حريم». بوكو حرام، اسم بلهجة الهوسا ويعني بالعربية التعليم الأجنبي حرام، أو حتى «التضليل الغربي»، لكن اسم الجماعة الرسمي، بالعربية هو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد».مايك سميث مؤلف «بوكو حرام - داخل الحرب اللامقدسة في نيجيريا»، هو الأول الذي يتناول تاريخ تلك الجماعة الإرهابية بالبحث. إنه صحافي بريطاني عمل مديراً لمكتب وكالة الصحافة الفرنسية في غرب أفريقيا بين عامي 2010 و2013، والمصدر الإخباري الأساسي عنها.

الكاتب يقول إن «بوكو حرام» نشأت في شمال شرق نيجيريا على يد الداعية السلفي الجوّال محمد يوسف. وقد شاع اسمها عالمياً وانتشرت الأخبار عنها عام 2009، عندما أعلن رئيسها المؤسس المغدور التمرد في شمال شرق نيجيريا بعد اندلاع اشتباكات بين أنصاره وقوات الأمن هناك، ما أسفر عن حملة قمع سقط فيها نحو ثمانمئة ضحية بشرية. قوات الأمن النيجيرية تمكنت من إلقاء القبض على محمد يوسف وقتلته بعد التحقيق معه. وتبين تفاصيل الحوار بين الطرفين تشديد المؤسس على رفض أي شيء يأتي من الغرب، ما عدا التكنولوجيا حيث عثروا في منزله على حواسيب.
أما العالم على نحو أوسع، فقد سمع عن هذه الحركة عند حدوث التفجير الانتحاري في مقرّ الأمم المتحدة في العاصمة النيجيرية أبوجا الذي نفذه محمد أبو البراء وقتل فيه 23 شخصاً، إضافة إلى نفسه، وبعد اختطافها مئات الفتيات النيجيريات. بعد مقتل مؤسس الحركة، تسلم نائبه أبو بكر شيخو قيادتها حيث انتقلت حينها إلى أعمال العنف والإرهاب التي تصدرت أخبار غرب أفريقيا، ذلك البلد الذي نال استقلاله من بريطانيا في عام 1960.
تابع مايك سميث في مؤلفه المهم تطور «بوكو حرام» من حركة ليست ذات مغزى، إلى تنظيم يسيطر حالياً على نحو ألف كيلومتر مربع في شمال شرق نيجيريا. ويتميز مؤلفه الوصفي بشرح الظروف المحلية التي نشأت فيها، من فساد مختلف إدارات الدولة وممثليها، ووحشية قوى الأمن ودولة نهابة في شمال شرق نيجيريا، إضافة إلى تقاليد طويلة من التطرف الديني. ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أنّ 11 ولاية من الاتحاد النيجيري قررت تبني الشريعة في عام 1999، ما لا يسوغ لجوء محمد يوسف إلى التمرد الذي يدعي دينية الدوافع!

يتناول سيرة المؤسس ونقاط الاختلاف بينه وبين خليفته أبو بكر شيخو

مع أن تركيبة «بوكو حرام» وأسلوب عملها لا يزالان غير واضحين، فإنّ أهمية هذا المؤلف تكمن في شرحه كيفية ظهورها ونشاطاتها القاتلة. كذلك، يظهر الفوضى التي خلقتها في دولة كنيجيريا يعشش الفساد في كل مناحيها، وعقم الإدارة السياسة، المتنامية كلها على الخلفية الاستعمارية التي أسهمت في هذه الحالة.
من الأمور اللافتة في هذا المؤلف معالجة الكاتب الادعاء القائل بأنّ «بوكو حرام» مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي، وبحركة «الشباب» في نيجيريا، وبتنظيم الدولة «داعش». هو يوضح التباينات بين كل هذه الحركات الإرهابية، ما يدفعه إلى تأكيد عدم صحة القول بأنها تابعة لـ»القاعدة». لكن كحال جميع الكتب التي تتعامل مع مسائل سياسية في بلادنا، فإن التطورات تسبق أي تحليل جديد، فمن المعروف أنّ «بوكو حرام»، أو قسماً منها، أعلنت ولاءها لأبي بكر البغدادي.
المؤلف يضم ستة فصول خصّص الكاتب أولها للحديث المفصل في الهجوم على مقرّ الأمم المتحدة في العاصمة أبوجا وما أنتجه من معاناة هائلة. الفصل الثاني يتناول بالسرد سيرة المؤسس محمد يوسف ونقاط الاختلاف بينه وبين خليفته أبو بكر شيخو. كما تناول المؤلف في هذا الفصل بالنقد سير حكام نيجيريا منذ استقلالها، ودور النخب في الحالة التي انحدرت إليها البلاد. الفصل الثالث خصصه الكاتب لشخص الرئيس (الأسبق) جنثن، ودوره في تدهور الأوضاع في الدولة، إضافة إلى الحديث عن التفجير الانتحاري الأول الذي استهدف مقر الشرطة في عام 2011. الفصل الرابع يتركز موضوعه حول التفجير الانتحاري في كنيسة «مدالا» بالقرب من العاصمة أبوجا، إضافة إلى نشاط جماعة منشقة عن «بوكو حرام» تعرف نفسها باسم «الأنصار» التي تخصصت في مهاجمة الأجانب.
الفصل الخامس خصصه الكاتب للحديث عن رد فعل الدولة على التمرد وأعمال العنف وإعلان حالة الطوارئ في بعض الولايات وإخفاقات الاستراتيجية العسكرية ضد التنظيم. الكاتب خصص الفصل السادس والأخير للحديث عن مسألة خطف الفتيات وأبعاد تلك العملية.
رغم تأكيدنا أنّ الكتاب وصفي أكثر من كونه تحليلياً، إلا أنه ينقل للقارئ تفاصيل الحالة التي تعيشها تلك المنطقة من نيجيريا البالغ عدد سكانها نحو 170 مليون نسمة، إضافة إلى توفير صورة حية لتطور «بوكو حرام» حيث يشدد على أن دوافع الحركة مادية وليست روحية.