لا يحتاج نجيب محفوظ (1911-2006) إلى مناسبة أو سبب للاحتفاء به. لم يستطع الزمن أن يقفز فوق أعماله لتدخل في متحف التاريخ. أعماله متجددة، فياضة بالإلهام، هي ثورة في الأدب كانت ولا تزال. ربما لم يغادر محفوظ عالمنا. نتخيله يستيقظ في الصباح، يدخن سيجارته الأولى مع فنجان القهوة الأول. وفي الموعد المحدد، يتجه إلى باب البيت، ليفتح لقارئه الأول وكاتم أسراره عم صبري.

يجلسان ليقرأ له الجرائد، ويخبره بآخر أخبار الدنيا. وفي المساء، يرتدي ملابسه ويخرج ليلتقي الأصدقاء، ويكون سؤاله الأول لهم عن آخر الأخبار. كل صديق يخبره بأمر من الأمور: الحقائق والشائعات. هو منصت باهتمام، قد لا يعلق، قد يتذكر شيئاً من التاريخ مشابهاً لما يتم الحديث فيه، حادثة أو حكاية. وبعد أن يلم بكل التفاصيل والأبعاد، ينطق بحكمة مكثفة، أو نكتة وترتفع ضحكته الصافية وضحكات المحيطين به.
12 عاماً على غيابه جرت فيها مياه كثيرة في نهر الحارة، الذي قد يتوقف قريباً عن الجريان. أما ثورة هذا الشعب الذي أيقن منذ سبع سنوات أن «عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة» فقد تم وأدها، ومحاصرتها. لم يشهد مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب. شخصيات محفوظ تقفز من إطارها الخيالي إلى الواقع لتبدو أكثر حضوراً وقوة. ها نحن محاصرون بمحجوب عبد الدايم، ورؤوف علوان، وعمر الحمزاوي وآخرين يتراقصون في الواقع.. رموزاً لخيانة الثورة... الثورة باعتبارها حلماً لا يخلو من مواجع. لا يحتاج محفوظ إلى مناسبة، ولكن تتوافر أيضاً المناسبات. في «معرض القاهرة الدولي للكتاب» الذي ينطلق اليوم، طبعة جديدة من أعماله أصدرتها «دار الشروق» خصيصاً للمعرض. كما تبدأ وزارة الثقافة المصرية استعدادتها لمؤتمر دولي في مناسبة مرور 30 عاماً على حصول محفوظ على جائزة «نوبل» (1988). فرصة لقراءة جديدة في أعماله.