رغم مرور 30 عاماً على حصول نجيب محفوظ على جائزة «نوبل»، إلا أن قائمة الاتهامات لم تخفت يوماً. اختصر الإسلاميون الجائزة بأنّها تكريم لهجومه على الدين والذات الإلهية في روايته «أولاد حارتنا». ورأى القوميّون أنها تتويج لدعوته للسلام مع الكيان الصهيوني. ورأى أدباء مثل يوسف إدريس وإدوار الخراط أنّه كاتب محدود القيمة الفنية، روايته محلية الفكر، متوسطة القيمة بالمعايير التي تقاس بها الأعمال الأدبية العظيمة.
كعادته، تجاهل محفوظ الهجوم عليه، دافع عن «أولاد حارتنا» بعدما تعرض لمحاولة اغتيال عام 1994 على يد مهووس إسلامي. وكشف لجريدة «أخبار الأدب» (30 نوفمبر1997) تفاصيل لم يذكرها قبلاً: «وأنا في «الأهرام»، زارني مطلع الثمانينات، قبل حصولي على «نوبل» واحد من السفارة الإسرائيلية لا أذكر اسمه. وعرض عليّ الترشح لجائزة عالمية كبرى حصل عليها الأديب البريطاني غراهام غرين، وقال إنهم يفكرون في منحي الجائزة، وأنه جاء يستأذن، قلت له: إنني شاكر جداً لكنني أعتذر لأن ربط الجائزة بدفاعي عن السلام أمر لا أقبله، إذ أنه موقف مبدئي وليس من أجل الجوائز». كانت الجائزة التي يقصدها محفوظ هي «جائزة القدس الدولية». في الحوار ذاته، قال محفوظ: «بعد حصولي على «نوبل»، كتب لي شيمون بيريز خطاباً رقيقاً يقترح فيه أن أرشح لـ «نوبل» روائياً إسرائيلياً اسمه عموس عوز، وقد ترجمت إحدى رواياته إلى العربية. أجبته في رسالة معتذراً وقلت إنّ عاموس عوز سيجد من يرشحه لـ «نوبل»، ولكن إذا كان لا بد من أن أرشح أديباً لـ «نوبل»، فأفضل أن أرشح عربياً».
كذلك، فإنّ موقف محفوظ من التفاوض مع العدو كان سابقاً تفكير السادات في كامب ديفيد. إذ دعا في 1968 في مقال له إلى التفاوض لتحرير سيناء إذا لم يكن بمقدورنا الحرب. كرّر هذا الكلام في لقاء جمع عدداً من المثقفين المصريين بالقذافي في جريدة «الأهرام» عام 1971 . لم يكن موقف محفوظ استثنائياً، فكل أبناء الجيل الليبرالي الذي نشأ وتكوّن في ظل ثورة 1919، وانتمى إلى أفكار حزب «الوفد»، لم يكن لديه مشكلة في التفاوض مع العدو. بل إن «الوفد» نفسه كان نتاج معركة اختيار مجموعة من أبناء الشعب المصري للسفر إلى بريطانيا (دولة الاحتلال) للتفاوض من أجل الجلاء.
من هنا يمكن أن يكون مبرراً موقف محفوظ من تأييد كامب ديفيد. لم يكن نتاجاً لنفاق سلطة، أو بحثاً عن جائزة. الغريب أن إسرائيل التي يقال كثيراً بأنّها تتحكم بمنح جائزة «نوبل»، لم تستطع منح أي من أدبائها الجائزة، وكان أول وآخر أديب إسرائيلي حصل على الجائزة هو شموئيل يوسف عجنون عام 1966 مناصفة مع السويدية نيلي زاكس الحاصلة على الجنسية الإسرائيلية أيضاً. وهو العام نفسه الذي ظهر فيه اسم محفوظ على قوائم ترشيحات الجائزة للمرة الأولى مع طه حسين وتوفيق الحكيم. ولكن كان عليه الانتظار 22 عاماً ليتوج بجائزة تأخرت طويلاً. وكان مدعوماً من جهات عدة أهمها قسم الدراسات العربية في «جامعة السويد» الذي كان يرأسه الناقد المصري عطية عامر، وهناك الناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي التي صرحت بأن الأكاديمية السويدية طلبت منها عام 1985 تقريراً عن الكتّاب العرب المستحقين لـ «نوبل» وأنها دعمت محفوظ وأدونيس. وهناك المستعرب الأميركي روجر آلان الذي أشار في أحد حواراته إلى دعمه لمحفوظ، والمترجم ديفيد جونسون الذي كتب عن لقاء جمعه بالسفير السويدي في تونس للحديث عن الكتّاب العرب الذين يستحقون «نوبل» منهم محفوظ. وهناك جامعتا «جورج تاون» والـ «سوربون» وبعض الجامعات الأوروبية والروسية التي قدمت تقارير عن استحقاق صاحب «الحرافيش» للجائزة.