تُقدّم عشرات الحواجز الأمنية المنتشرة في شوارع قطاع غزة صورةً عن مستوى الجدية الذي وصل إليه تعاطي حركة «حماس» مع «داعش ــ غزة»، إذ إن العلاقة بين الطرفين خرجت من إمكان الاحتواء منذ أكثر من سنة ودخلت مربع المواجهة. «سجل الحساب هذه المرة لن يغلق»، يعلّق أحد عناصر المجموعات التكفيرية المطلوب لجهاز «الأمن الداخلي» في غزة، ويدعى «أبو عمر»، على التأزم الذي تشهده العلاقة مع «الداخلي».
ويقول لـ«الأخبار» إن «إمكانية أن نصل إلى تسوية على شاكلة ما كانت عليه الحال خلال السنوات الماضية صعبة جداً». أمّا لماذا؟ فيعلل «أبو عمر» بأن «التعاون الأمني بين قيادة حماس في عهد (يحيى) السنوار مع مصر، وما نتج منه من تعاطِ أمنيٍّ قاسٍ مع قرابة 400 معتقل، جعل الإخوة يتعاملون مع جيش (عبد الفتاح) السيسي وحماس على أنهم طرفٌ واحد».
فوق ذلك، يتهم تنظيم «ولاية سيناء» الأجهزة الأمنية في غزة بتسليم مجموعة من عناصره، كانوا قد دخلوا القطاع في وقت سابق بهدف العلاج، للأمن المصري كـ«عربون لتوطيد العلاقة مع القاهرة». ويستخدم التنظيم تلك الدعاية في تجييش مناصريه من القبائل السيناوية ضد «حماس»، فيما ترفض الأجهزة الأمنية في القطاع الإفصاح عن أيّ معلومة بخصوص أولئك المطلوبين، إذ لم تقرّ ولم تنفِ.

السبب الثاني للاستنفار هو تحذير «ولاية سيناء» بتنفيذ عمليات على الحدود


يؤكد «أبو عمر» انتهاء التسوية التي كانت قائمة مع «حماس» بعد مقتل الكادر يونس الحنر في حزيران 2015، وهي التي اتفق بموجبها على التنسيق مع الحركة في كل أنشطتهم، بما في ذلك الفعاليات العلنية والداخلية، وكان أبرزها مسيرة احتجاج رُفعت فيها أعلام «التوحيد» أمام المركز الثقافي الفرنسي في غزة. لكنّ مصدراً أمنياً في وزارة الداخلية برّر ذلك التنسيق بأنه «أعطى للأجهزة الأمنية فرصة لجمع كمّ كبير من المعلومات عن البنية التنظيمية وطريقة عمل هذه المجموعات في غزة، وقد أسهم ذلك أيضاً في اختراقهم على نحو واسع». ولا ينكر المصدر أن تلك المدة شهدت حالة من التعاون بين «حماس» و«ولاية سيناء»، لأن علاقة الأولى بالدولة المصرية كانت متوترة للغاية عقب سقوط الرئيس الإخواني محمد مرسي منتصف 2013، لكنه يؤكد أنها لم تكن سوى علاقة مصالح اضطرارية، قامت على علاج جرحى التنظيم مقابل تمرير البضائع.
أما المعلومات الجديدة التي توصل إليها أمن غزة وكانت سبباً في رفع مستوى الاحتياطات، فتفيد بأن التغيير الكبير في قيادة «الولاية» نتج منه قرار بالتصعيد ضد غزة. وعلمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة أن الأمن ألقى القبض على مجموعة تكفيرية كانت تنوي تنفيذ عمليات انتحارية تستهدف قيادات الصف الأول في «حماس»، وكان من المقرر أن تستغلّ الفعاليات العامة كالمؤتمرات الصحافية والتظاهرات للوصول إلى هدفها «السهل نسبياً». المجموعة التي أُلقي القبض عليها مكوّنة من أربعة أشخاص، وأقرّت بأن هناك مجموعات أخرى يجري إعدادها لتنفيذ مهمات شبيهة، وهو ما يفسر غياب إجابة محددة لدى الأجهزة الأمنية عن موعد انتهاء الاستنفار. وفي حادثة أخرى، اعتقل أحد السلفيين في رفح، جنوبي القطاع، معترفاً بأنه وثمانية آخرين خططوا باستعمال سيارة «ديماكس» دفع رباعي لتفجير أحد المساجد في مخيم الشاطئ خلال صلاة الجمعة.
«الانتحاريون» ليس سبب الاستنفار الأمني الوحيد، إذ تكشف المصادر أن أمن غزة تلقى تحذيراً من «المخابرات» المصرية بأن «ولاية سيناء» ينوي تنفيذ عمليات على الحدود مع القطاع بعد تمكنه من السيطرة على عدد كبير من السيارات الرباعية الدفع المصفحة التي غنمها من الهجوم على أحد مواقع الجيش المصري، والهدف المحتمل هو نقاط الضبط الميداني التابعة لـ«حماس». وكانت الأجهزة الأمنية في غزة قد اكتشفت في وقت سابق امتلاك «ولاية سيناء» عدداً من الأنفاق السرية التي يطلق عليها «الأنفاق الراجعة»، وهي تنطلق من منازل مقامة على الشريط الحدودي في رفح، وتنتهي في الجانب المصري، وتستخدم لتهريب الأشخاص والأسلحة. وقد أدى القبض على نور عيسى، وهو قيادي متنفّذ يطلق عليه «الصندوق الأسود لداعش غزة»، إلى تحصيل معلومات خطيرة في هذا السياق.
أيضاً، تفيد المصادر الأمنية بعقد اجتماعات مكثفة بين قادة الأجهزة المعنية في غزة وقيادات في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ«حماس»، وذلك لبحث سيناريو الرد في حال تنفيذ هجوم حدودي أو عمل انتحاري. وخلص الاجتماع إلى ضرورة ألا تنجرّ «القسام» للقتال في سيناء أياً كانت الظروف، وأن على الأجهزة الأمنية، خاصة «الأمن الوطني»، استيعاب أيّ هجوم والتعاطي معه داخل أراضي القطاع، كما على المواجهة أن لا تحمل أي عنوان له علاقة بمواجهة بين المقاومة ــ الفصائل الفلسطينية ــ والسلفيين، وإنما عبر وزارة الداخلية وأجهزتها.
بالعودة إلى «أبو عمر»، يؤكد أنه لا شكل محدداً لطبيعة الحساب الذي يريد «الموحدون» أن يصفّوه مع «حماس»، خاصة أن ما حدث خلال الأشهر الماضية (محاولة اغتيال قائد قوى الأمن في غزة اللواء توفيق أبو نعيم، محاولة طعن شرطي على أحد حواجز غزة، نشر معلومات وصور قادة «الأمن الداخلي»، زرع متفجرات على بيوت قادة «حماس») هو جزء من التكتيكات، لأن «ما نخفيه من مفاجآت أعظم». أمّا عن إمكانية تنفيذهم عمليات كهذه، فيقول: «لم يكن هناك قرار باستهداف حماس رغم ظلمها، ولهذا السبب لم تكن هناك جدية في تنفيذ عمليات كهذه، وليست قوة حماس الأمنية هي التي منعت... كنا بحاجة إلى قرار (فتوى)، وقد صدر».
هاني...