قبل أسبوعين، عمّم رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب على كل الكليات منع التعاقد مع أي أستاذ جديد. التعميم الذي حمل الرقم 5 أتى في سياق تعاميم أخرى صدرت في الآونة الأخيرة وتركت انطباعاً لدى أهل الجامعة بأن «ترشيد الإنفاق» على خلفية خفض موازنات الإدارات والمؤسسات العامة بنسبة 20%، هو الذي يقف خلف هذه التعاميم لا باعتبارها خطوات إصلاحية تحمي الجامعة من المحاصصة الحزبية والطائفية.
فثمة من أشاع مثلاً بأنّ تعميم إدارة الجامعة الرقم 2 القاضي بإلزام الأساتذة التوقيع على جداول حضور يومية وفق نماذج موحدة لكل الكليات يوفر على موازنة الجامعة 13 مليار ليرة! في حين أنّ النقاش الحقيقي الذي يدور بين الأساتذة يركز عما إذا كان المطلوب توقيعاً شكلياً أو مراقبة الإنتاجية الأكاديمية والبحثية.
مصادر إدارة الجامعة لم تنف بأنّ التعميم رقم 5 جاء على خلفية خفض موازنة الجامعة وعصر النفقات وقد ذكر ذلك أصلاً في حيثيات التعميم. التعميم نفسه يطلب من عمداء الوحدات ومديري الفروع والمراكز الإمتناع عن إجراء أي عقود تدريس أو تدريب جديدة بأي شكل من الأشكال. وتعتبر كل التكاليف المتخذة خلافاً للأصول من دون موافقة مجلس الجامعة قبل مباشرة العمل باطلة وغير منتجة لأي أثر قانوني. ويسري هذا البطلان على التكاليف الحاصلة بعد صدور هذا التعميم من دون مراعاة الأصول القانونية.

ضغط أحد
المراجع الروحية
على شخصية سياسية لابقاء المتعاقدين خلافاً للأصول


صحيح أن التعميم قطع الطريق على صفقة الـ 120 أستاذاً الذين كانت كلية العلوم تنوي التعاقد معهم وفق المحاصصة الحزبية والطائفية وبلا أي حاجات أكاديمية فعلية، وبما يخالف القوانين لا سيما أحكام المرسوم 9084 المتعلق بأصول التعاقد؛ إلاّ أن الأساتذة المواكبين يسألون عن تمسك الفرع الرابع في زحلة باستمرار التعاقد مع 19 أستاذاً (إثنان منهم مرا بلجان علمية لكن بدون توقيع مجلس الجامعة على التعاقد معهم)، رغم التعميم 39 الصادر في تشرين الثاني 2016 والذي نص على وجوب العودة إلى أصول التعاقد المحددة بالمرسوم 9084 وبتوزيع الساعات الشاغرة على أساتذة الملاك والتفرغ، والتعميم الحالي رقم 5 المستند في حيثياته إلى التعميم 39. كيف ولماذا يتم تخطي القوانين في الفرع الرابع في زحلة، في حين أنه في العام الدراسي الماضي وبعد صدور التعميم 39، تم إيقاف 3 أساتذة عن التدريس في الفرع الأول في الحدث و5 أساتذة في الفرع الخامس في النبطية، كانوا قد دخلوا إلى الصفوف من دون المرور بلجان علمية، وجرى توزيع الساعات الشاغرة على أساتذة الملاك والتفرغ والمتعاقدين بالساعة.
يذكر أن مجلس فرع كلية العلوم في زحلة، الذي تعاقد مع 8 أساتذة جدد في بداية هذا العام الدراسي، قرر أخيراً توقيف التعاقد معهم بناءً للتعميم الأخير. فهل سيجري توقيف هؤلاء عن التدريس في الفصل الدراسي الثاني الذي يبدأ في الأسبوع الأول من شهر آذار؟ الضجة التي أثارها الأساتذة المعترضون في العام الماضي في الكلية دفعت التعاطي مع المتعاقدين الجدد في الفروع الثلاثة على سبيل الندوات، وهذه صيغة معتمدة مع الأساتذة الزائرين الذين يملكون خبرة وكفاءة في اختصاص معين، إذ يأخذ هؤلاء بدلات مقابل العمل الذي قدموه للجامعة من دون أن يربطهم رابط إداري أو مالي بالمؤسسة.
وفي حين يرى بعض الأساتذة أن التعميم رقم 5 واضح وصريح لجهة إبطال كل أشكال التعاقد المخالفة لأحكام المرسوم 9084، والتي لم تنل موافقة مجلس الجامعة ومن ضمنها الأساتذة الـ19، يعرب البعض الآخر عن خشيته من أن تكون عبارة «...ويسري هذا البطلان على التكاليف الحاصلة بعد صدور هذا التعميم من دون مراعاة الأصول القانونية»، بمثابة تسوية أوضاع ضمنية أو شرعنة دخول من دخل من الأساتذة والموظفين إلى الكليات خلافاً للقوانين.
السؤال ما هي الأسباب التي تسمح للفرع الرابع في زحلة بالتمادي في خرق القوانين، في حين أن باقي فروع كلية العلوم التزمت بتطبيق تعاميم رئاسة الجامعة؟ تفيد المعلومات أن أحد المراجع الروحية في زحلة تواصل مع احدى الشخصيات السياسية والتي لها كلمة الفصل في هذا الملف، وطلب إليها الضغط لإبقاء الأساتذة الذين دخلوا العام الماضي في زحلة بحجة الحفاظ على الوجه المسيحي لهذا الفرع. فهل نجح هذا المرجع في مسعاه، وخصوصاً أنه تطرق في إحدى المناسبات الدينية إلى حاجة الجامعة لهؤلاء الأساتذة؟
الأستاذة في كلية العلوم وفاء نون، تشير إلى أن التعميمين 39 و 5 هما بمثابة اعتراف بحصول خروق قانونية في ملف التعاقد في الجامعة اللبنانية، ويؤكدان وجوب إيقاف الصفقات التي أُبرِمت في هذا الإطار. لكن النية لذلك غير كافية إن لم تطبق هذه التعاميم ويتم الرجوع إلى النظام الداخلي للجامعة اللبنانية الذي يفصّل كيفية التعاقد مع أساتذة جدد. وأضافت نون: «اللافت أن التعميم 39 قال بوجوب توقف كل مشاريع التعاقد المخالفة للأصول ولو بعد مباشرة العمل، لكنه لم يلحظ أية مفاعيل لعدم تطبيقه وذلك خلافاً للتعميم رقم 5 المستند إليه اساساً».
التحقيقات التي أجرتها «الأخبار» في هذا الملف منذ العام الماضي، والبيانات التي صدرت عن مجموعة من أساتذة كلية العلوم والأساتذة الناجحين في اللجان العلمية، توضح أن المشكلة الأساس هي في عدم تطبيق قوانين التعاقد والخوف من تدهور المستوى الأكاديمي لكلية العلوم نتيجة إدخال الأساتذة من دون الرجوع إلى اللجان العلمية ومن دون إبراز التقارير العلمية وفق الأصول المحددة. فهل جاءت هذه التعاميم تماشياً مع الضغوط والضجة التي أثارها ملف التعاقد في كلية العلوم؟

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]