هل تتخيّل عمل المجموعات في صف مؤلّف من 30 تلميذاً؟ متى سأنفّذ هذه الأنشطة وكيف سأتمكن عندها من إنهاء خطّتي الدراسية لهذا العام؟ كيف سأستفيد من التكنولوجيا وتلامذتي ليس بحوزتهم لوحات رقميّة، كل دروسي أصبحت تعرض على ppt واللوح الذكي، ألا يكفي ذلك؟ فضلاً عن أننا لا نملك ألواحاً ذكيّة في كل صفوفنا فلماذا كل هذا الإرهاق؟هذا غيض من فيض ما يقوله المعلمون لدى الحديث عن إدماج التكنولوجيا في الصف التعليمي.

المعلّمة تسأل، التلميذ يجيب بجواب مقتضب من كتابه المدرسي، المعلّمة تعقّب بتغذية راجعة (feedback) مناسبة، إنه الروتين القاتل! إنّه التعليم الممّل! إذاً التلامذة لا ينتجون في المدرسة، العملية التعليميّة التعلميّة لا تزال تعتمد على سلطة المعلّم والكتاب المدرسي، وهنا عقدة القصّة.
السؤال الأوّل: كيف نمكّن التلامذة من الإنتاج مع أو من دون تكنولوجيا؟، السؤال الثاني: كيف تساعدنا التكنولوجيا في تحقيق هذا الهدف؟ السؤال الثالث: كيف نتجنب استعمال التكنولوجيا لمجرد استعمالها؟
بداية، أي عمليّة تعليم ــــ تعلّم يجب أن تنطلق دائماً من وضعيّة واقعية حقيقيّة، ومعززّة بالتكنولوجيا، مثل: فيديو مصوّر لحوار حقيقي، مقال من صحيفة يطرح إشكالاً، مقابلة مصوّرة أو مباشرة مع شخصيّة (عامة، علمية، شخص من ثقافة أخرى.....)، فلاش إعلاني عن منتج معين، تقرير إخباري مصوّر يطرح مشكلة، كاريكاتير أو إنفوغراف إلخ.... المهّم «وضعية مشكلة» محفّزة على التفكير وعلى الانخراط في الحل ومرتبطة بالواقع بشكل واضح.
مع تحليل المشكلة، سيجد التلامذة أنفسهم أمام مهام محدّدة مطلوبة منهم، تدمج هذه المهام أهداف المنهج في سياق «تعلم له معنى»، فالمعرفة العلميّة والأهداف التعلميّة هنا ليست مفصولة عن سياقها، ولا تحتاج إلى الربط بالواقع لاحقًا لأنها ارتبطت به في أساس طرحها.
إذًا التلامذة أمام مهمات ولديهم العديد من برامج الانتاج الرقمية لإعداد محتوى رقمي حقيقي، ولديهم كل وسائل التواصل عن بعد/ قرب، ومنصات التعاون والتشارك عن قرب/ بعد للعمل الجماعي، ولدى المعلّم القدرة على تصويب هذه النتاجات وهي في بدايتها بدل الاكتفاء بتقويمها في نهاية عمليّة التعلّم أي بعد فوات الأوان.
طبعاً القصّة لا تنتهي عند هذا الحد، بل تكتمل فصولها عندما يتمكّن التلامذة من عرض نتاجاتهم على العموم والحصول على تغذية راجعة منهم، ونقصد بـ«العموم» زملاءهم بالصف أو الصفوف الأخرى، أو الجمهور الخارجي من أهل وأصدقاء وهذا ما تحدّده طبيعة المهمّة.
مع هذه الطريقة سيكتسب التلامذة خبرات حقيقيّة، وسيتعلمون أكثر من المعارف المتراصفة في المنهج، وسيشعرون بالمتعة وخصوصاً إذا تمكّنوا من تعزيز العملية التعليميّة بالتحسينات التالية:
ــــ اعتماد التعلّم المعكوس (flipped classroom)، الذي يوفّر من وقت التعليم لصالح التعلّم، ويسمح بتنمية المهارات، وتستفيد هذه الطريقة من منصات التعليم الرقمية التي باتت متوافرة بكثرة، ومن دون أي تكاليف أو تعقيدات وتجهيزات تقنيّة.
ــــ اعتماد التعلّم المدمج (blended learning) وتوفير الانترنت في الصف أو في غرف المصادر (المكتبة المدرسية) على الأقل، من شأنه أن يعزّز طرائق التقصّي والاكتشاف، وخصوصاً إذا ما دُمجت مع التعلّم المعكوس، ما سيسمح للمتعلمين بخوض تجربة البحث الحقيقي في سبيل تنفيذ المهام المطلوبة بشكل إبداعي.
ــــ اعتماد برمجيّات المحاكاة لا سيّما في المواد العلميّة، ما يؤمّن للمتعلمين وفرة من الصور الذهنية لمجردات كانت صعبة التخيّل في ما مضى، وتفتح الآفاق بشكل أوسع للتخيّل والفهم والتجريد.
ــــ اعتماد طرائق الجدل والحوار والمناظرة لتنمية الانتاج الكلامي الخاص بالتلميذ، وتعزيز فهمه للقضايا من خلال إعمال تفكيره العميق فيها للرد على انتقادات زملائه، والتعبير عنها بمفرداته وأدبياته الخاصة، وهنا تلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في تعزيز هذه الطرائق مثل المنتديات الرقمية، ووسائل العرض، والمرئيات (visuals) التي تسهّل عرض الأفكار، فضلاً عن خدمات النقاش التي باتت متوافرة على كل المنصات الرقميّة، وخدمات الاتصال الفردي والجماعي عبر skype & hangout، وخدمات انتاج المشاريع بشكل جماعي مثل google docs على سبيل المثال لا الحصر.
استعمال وسائل العرض في الصف قد يعزّز في مكان ما التلقين والتعليم على حساب التعلّم، وتوفير اللوحات الرقمية (ipad & tab) للتعلّم المتحرك (mobile learning) من دون هذه المقاربات والأفكار قد يأخذنا إلى الزاوية المظلمة، وإلى الأدوات على حساب المقاربات والطرائق وهو ما نشاهده ونلحظه للأسف في العديد من المدارس والصفوف التعليميّة في لبنان.
أشغلهم وشغّلهم قبل أن يشتغلوا بك؟ اقلبها فوق رؤوسهم قبل أن يقلبوا الصف فوق رأسك؟
* مدير التدريب في مدارس المهدي
للتواصل مع الكاتب: [email protected]