هل تتم «ضبضبة» ملف التحقيق مع المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، المشتبه في ارتكابها جرم «الافتراء الجنائي» على المسرحي الموقوف زياد عيتاني من خلال تلفيق تهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي له؟ وفي حال أكّد القضاء صحة التحقيق الأولي القائم في فرع المعلومات مع الحاج ومع «القرصان» ا غ، فهل أن الضجيج القائم حول القضية اليوم، يهدف إلى حماية متورطين آخرين مع المقدم و«القرصان»؟ الأسئلة مشروعة في ظل غياب المرجعية التي تقدّم للبنانيين رواية واضحة، ونهائية لما جرى.
ربما سيقطع الشك باليقين (مؤقتاً، قبل الحكم النهائي) قرارٌ اتهامي يصدره قاضي التحقيق العسكري الاول، رياض أبو غيدا، يمنع المحاكمة (أي يؤكد براءة) مَن تُثبت الادلة أنه لم يكن متورطاً في ما تنسبه له النيابة العامة والأجهزة الامنية.
ويبدو أن الاتصالات السياسية والأمنية التي جرت في اليومين الماضيين، رست على أخذ الملف في هذا الاتجاه. فبعد التوتر الذي حرّكته تغريدة وزير الداخلية نهاد المشنوق القاطعة ببراءة عيتاني يوم الجمعة الماضي، قال الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري كلمتيهما الداعيتين إلى ترك الامر للقضاء. ويوم امس، استقبل رئيس الجمهورية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي أطلعه على تفاصيل التحقيق مع الحاج و«القرصان»، وعرض عليه الادلة التي بُني التحقيق عليها. وبحسب مصادر مطلعة على اللقاء، فإن عون لم يكن غير مقتنع بتوقيف الحاج، إلا أنه «استغرب تسرّع وزير الداخلية بإطلاقه حكماً ببراءة عيتاني، فيما التحقيق مع الحاج لم يكن قد صدر بعد». ولفتت المصادر إلى ان رئيس الجمهورية ينتظر كلمة القضاء، ليبني على الشيء مقتضاه.
كلام المصادر الواسعة الاطلاع يناقض ما أشيع أمس عن نية وزير العدل سليم جريصاتي إحالة المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود ومفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني الحجار على التفتيش القضائي. فالأخير هو الذي أشرف على تحقيق فرع المعلومات مع أ. غ. حتى توقيف الحاج، قبل أن يطلب منه حمود ترك متابعة التحقيق له. وعلّقت مصادر وزارية «مستقبلية» على هذا الامر بالقول إن هكذا قرار يعني تفجير الحكومة. وأشيع كذلك أن أبو غيدا ارتكب مخالفة شكلية عندما بعث باستنابته إلى فرع المعلومات، من دون المرور بمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، طالباً توضيح قضايا غير جليّة في ملف تحقيق المديرية العامة لأمن الدولة مع عيتاني. وفي هذه النقطة تحديداً، تضاربت أراء القضاة الذين سألتهم «الأخبار» بين من اعتبر أن مرور الاستنابة بمفوّض الحكومة إلزامي قانوناً، وبين من يرى أنه يحق لقاضي التحقيق إرسال استنابته إلى الأجهزة الأمنية مباشرة، من دون المرور بالنيابة العامة.
وعلمت «الأخبار» أن قيادة المديرية العامة لأمن الدولة بحثت في إمكان تسريب تسجيلات الفيديو الخاصة باستجواب عيتاني، والتي تُظهر اعترافاته بالتعامل مع العدو. وبُحث هذا الخيار مع المعنيين في القصر الجمهوري، فنصحوا بالتريث. ومن غير المستبعد أن تكون قضية عيتاني ــــ الحاج على طاولة الاجتماع الامني الشهري الذي سيُعقد اليوم في المديرية العامة للأمن الداخلي.

لم يثبت لـ«المعلومات»، تقنياً، أن عيتاني
تواصل مع الحساب «الإسرائيلي» المزعوم



في هذا الوقت، استمر فرع المعلومات بالتحقيق مع الموقوفين في القضية، وتم تمديد فترة التحقيق الاولي مع الحاج لـ48 ساعة جديدة، للتوسع معها بالتحقيق، كما مع ا. غ. في قضايا أخرى يُشتبه في كونهما (او احدهما على الأقل) عملا على تلفيقها للإيقاع بأشخاص أبرياء بعضهم سيق إلى القضاء. وقالت مصادر وزارية إن التحقيق يشمل عمليات قرصنة ومحاولة قرصنة لمواقع الكترونية لمؤسسات وشخصيات كوزارات الخارجية والثقافة والطاقة وحسابات عائدة لوزير الداخلية وهيئة «أوجيرو». وتشير المصادر إلى أن «القرصان» زعم أن الحاج طلبت منه القيام بهذه العمليات، بعد نقلها تأديبياً من مركزها في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مطلع تشرين الأول الماضي، مدّعياً انها كانت تهدف من وراء ذلك إلى القول إن «البلد خربان من بعدها»!
وفي الإطار عينه، أكّدت مصادر وزارية لـ«الأخبار» أن التحقيق الذي أجراه فرع المعلومات في قضية عيتاني كشف أن الأخير لم يكن قد تواصل مع حساب «فايسبوك» الذي يُزعم أن إسرائيلية كانت تديره، وأنه لم يفتح الرسائل المشفرة التي أرسِلت من هذا الحساب (تجزم المصادر بأن ا. غ. هو الذي فتح الحساب المنسوب إلى إسرائيلية). ولفتت المصادر إلى انه سبق للمديرية العامة للامن العام ان اجرت تدقيقاً تقنياً في هذه الجزئية من التحقيق، ولم يثبت لديها أن عيتاني استخدم هاتفه لفتح الملفات المرسلة إلى بريده (مسنجر) على موقع فايسبوك، من دون أن تقدر على تأكيد أنه استخدم أجهزة غير هاتفه لتلقّي الملفات المشفّرة. ومن الأمور التي يُنتظر أن يحسم أبو غيدا وجهتها بعد إحالة كامل الملف عليه اليوم أو غداً، هو كيفية إدلاء عيتاني باعترافاته امام امن الدولة، فضلاً عن تثبيت أو نفي أجزاء تفصيلية من هذه الاعترافات، كرحلته إلى تركيا وغيرها من القضايا التي لا يُمكن البت بها، سلبا أو ايجاباً، بصورة تقنية. وبناءً على الملف بكامله، سيُصدر أبو غيدا قراره الاتهامي في القضية.
(الأخبار)