دخل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، «بازار» الملف النووي الإيراني، الذي أعاد افتتاحه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مُطلِقاً تهديداً بتطوير قنبلة نووية. إختار ابن سلمان توقيتاً «مناسباً» لممارسة ضغوط أكبر باتجاه فرط عقد الاتفاق النووي، بواسطة إرسال رسالة إلى المعنيين بأن ترك إيران في سبيلها يضع المنطقة بوجه خطر سباق تسلح نووي لن تتورع عنه الرياض، ما يعزز موقف ترامب تجاه شركائه الأوروبيين في الاتفاق النووي، والذين لا يزالون على ترددهم من الانضمام إلى مشروعه للإطاحة بالاتفاق في أيار المقبل. وجاء في ما نشر من مقابلة ابن سلمان قول الأخير إن بلاده «لا تريد حيازة قنبلة نووية، لكنها ستطور دون شك مثل هذه القنبلة في أسرع وقت ممكن، إن أقدمت إيران على تلك الخطوة».وعلى الرغم من أن ابن سلمان يعتقد بصوابية تهديده في هذا التوقيت، لناحية الإسهام في إعادة إحكام «الطوق» حول إيران، بتنسيق مع إدارة ترامب، فإن التصريح بحد ذاته مرشح لإثارة النقاش في الداخل الأميركي، وهو ما بدأت إرهاصاته منذ مدة، عبر كتابات تحذّر من نوايا ابن سلمان النووية، استبقت ما سيطرحه الضيف السعودي في لقائه مع ترامب، الإثنين المقبل، بشأن إحياء المشروع النووي السعودي المتعثر. ما نُشر من مقابلة ابن سلمان، والتي تُبثّ كاملة الأحد المقبل، أفصح عن ثقة سعودية عارمة بعمق العلاقة مع واشنطن، وهو ما يرى فيه مراقبون أميركيون استعجالاً، مشددين على ضرورة أن تختبر السعودية عن كثب ما سيرسو عليه البيت الأبيض، سواء لجهة الصفقة التي أبرمت خلال قمة الرياض ومداها، أو لجهة الاستراتيجية الأميركية ما بعد حفلة الإقالات «الترامبية». إقحام ابن سلمان الطموح العسكري في المشروع النووي السعودي، يعزز المخاوف من نوايا المملكة. وهو، وإن كان يسهم في التصويب على إيران، إلا أنه يؤكد دوافع القلق من أن لا تقتصر طموحات الرياض على الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، وتتعداه إلى تخصيب اليورانيوم لإنتاج وقود نووي، الأمر الذي يتقاطع مع تمسك الرياض برفض أي اتفاق يمنعها من تخصيب اليورانيوم.
طهران: ابن سلمان شخص ساذج ومتوهّم ولا يتفوه إلا بالكلام الكاذب


تُواجِه ابن سلمان، إذا ما أراد السير في طموحه النووي، معضلتان أساسيتان: الأولى داخلية، تتعلق بغياب أساس حقيقي للمشروع النووي السعودي الذي لا يحمل سوى الاسم فقط، ويحتاج وضعه موضع التطبيق قدرات ذاتية على المستويين التكنولوجي والعلمي، بحيث لا تتورط الرياض في استدراج تكنولوجيا أجنبية بكلفة عالية، تنعدم معها الحاجة إلى استغلال الطاقة النووية كطاقة توفير بديلة، تحتاج إليها «رؤية 2030» للتخلص من الاعتماد الكلي على النفط. الثانية، ترويج السعودية لاستبدال مشاريع شراء محطات نووية بشراء الخبرات العلمية وتدريب كوادر وطنية، عبر التعاقد مع دول كاليابان أو كوريا أو الولايات المتحدة، لا يزال يواجه قلقاً لدى حلفاء الرياض الغربيين أنفسهم، وهو ما تتالت الصحف الأميركية والبريطانية على التحذير منه في الأسابيع الماضية، من باب أن العالم لا يمكن أن يحتمل امتلاك نظام كالنظام السعودي قدرات مماثلة، قد تشكل مقدمة لتطوير أسلحة نووية.
تصريحات ولي العهد، غداة إقرار مجلس الوزراء السعودي ما سمي «السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية»، أثار تكهنات بشأن إعلان الحكومة، وأكد أن السياسة السعودية في ما يتصل بالطموح النووي تقوم على أساس الذهاب مع إيران إلى مرحلاة اللاعودة، خصوصاً أن ابن سلمان أعاد قرع طبول المواجهة، بإصراره على تشبيه المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، بـ«هتلر جديد»، رداً على سؤال من قناة الـ«سي بي أس» الأميركية، إذ تمسك ابن سلمان في جوابه بالوصف، قائلاً: «بكل تأكيد... يريد (خامنئي) التوسع. يريد خلق مشروعه الخاص في الشرق الأوسط بدرجة تشبه كثيراً هتلر في ذلك الوقت. العديد من الدول حول العالم وفي أوروبا لم تدرك مدى خطورة هتلر حتى حدث ما حدث. لا أريد رؤية الأحداث نفسها تتكرر في الشرق الأوسط». وذهب الأمير أبعد من ذلك، معتبراً أن «إيران ليست منافسة للمملكة»، وأن الجيش الإيراني «ليس من الجيوش الخمسة الأولى في العالم الإسلامي»، وأن الجيش السعودي والاقتصاد السعودي أقوى من الجيش والاقتصاد الإيرانيين.
على المقلب الإيراني، أتى الرد من طهران سريعاً على التصريحات «البعيدة عن الدراية، والمدفوعة بالعصبية، والمجحفة، والتي تذكّر بجاهلية البدو، وتعيد للأذهان تحدياتهم الخاوية»، بحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الذي رأى في ابن سلمان شخصاً «ساذجاً متوهماً، ولا يتفوه إلا بالكلام المر والكاذب، ولا يعرف سوى إطلاق الكلام الفظ في غير محله بعيداً عن الحكمة». وسخر قاسمي من تصريحات ابن سلمان بالقول: إنه «من الأجدى للدولة التي عجزت أمام شعب اليمن المحاصر والأعزل المعدوم السلاح، ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على عدوانها... أن تتجنب الحديث عن قدرات جيشها واقتصادها»، ناصحاً الأمير السعودي بأن «لا يتحدث بأكبر من حجمه». ودافع قاسمي عن سياسات بلاده، مؤكداً أن طهران تحترم جميع دول الجوار «بغض النظر عن مساحتها وقدرتها»، وأن دعوتها للحوار حتى مع «بعض سيئي السريرة» هي من منطلق إرساء الاستقرار في المنطقة.
ربما سينجح ابن سلمان في رؤية انسحاب أميركي من الاتفاق النووي مع إيران قريباً، لكن مساعيه في هذا الاتجاه لا تلاقيها فرص واضحة للاستحصال على القوة النووية من الحليف الأميركي، بشقيها الأهم: تكنولوجيا التخصيب أو السلاح، في الوقت نفسه الذي لن يقدم فيه تطيير الاتفاق النووي لكلّ من ابن سلمان وترامب سوى إطلاق يد إيران من القيود على تخصيبها اليورانيوم.