من الصعب، إذا لم يكن من الظلم، الكتابة عمّن فارقنا. قد نلبسه موقفاً من دون مناقشته فيه أو من دون حفظ حقّه في الرد... ولكن عماد بالتحديد لا يعنيه هذا الحق. ببساطة لن يردّ. ليس لأنه فارقنا وهو الحاضر في تفاصيل حياة كثيرين منا، ولكن لأنه لم يكن يظهر جرحه أو انزعاجه حين يُقال عنه شيء لا يوافق عليه. قد يبدو من الكلام هذا أنّه «جوّاني» لا يظهر مشاعره أو أنّه عابث بالحياة. لا. هو الذي طالما شارك مشاعره باستمرارٍ، مع كلّ من حوله، لكنه عن قصدٍ ربّما أو عن حكمةٍ ما كان يحصرها كلّها بالحب. وهو المتناقض الذي يمسك بطرفين باستمرار، عبثه وعشوائيته من ناحية، وانتباهه الى أصغر التفاصيل وأدقّها من ناحية أخرى... في الموسيقى خصوصاً.
خفيف الروح هو. يطير حولنا. في تفاصيل حياتنا. يختفي. يظهر. يتكلّم كثيراً. يضحك كثيراً. يُضحك كثيراً. ويصمت كثيراً أيضاً. يستيقظ باكراً جدّاً... قد يمضي نهاره في سماع ما سجّل من جلساتٍ موسيقيّة في الليلة الفائتة أو قد يمضي نهاراً كاملاً في عدم فعل أي شيء.
خفيف الروح هو. نحارُ إذا كان سماعنا لعزفه على العود هو أجمل ما فيه، أم التأمّل بوجهه الضاحك وهو يعزف موسيقى يحبّها، أم أنّ الأجمل فيه على الإطلاق هو صوته يصدح «الله... ويا سلام» لسماعه تقسيمة أو غناء لمصطفى سعيد أو مقطوعة جديدة لغسان سحاب.
خفيف الروح هو. يستطيع أن يذهب من تمارين فرقة «أصيل» أو مجموعة «شرقي» بكلّ ما تحمله هذه التمارين الطويلة من سلطنة وتركيز، ليرقص ويغني ويهرّج على مسرح «المترو» في حفلاتٍ مختلفة. وكان يحبّ هذا كلّه. ويتقن هذا كلّه. ويُشعر الكلّ أن ما يفعله في تلك اللحظة هو أكثر ما يحبّ عمله على الإطلاق.
خفيف الروح هو. يشبه شعر عمر الخيام في رباعياته وكان يكونه في حالاتٍ كثيرة. بل يتماهى مع ما كتبه حبيبه الخيام:
«لا تنظرنّ إلى الفتى وفنونه... وانظر لحفظ عهوده ووفائه
فإذا رأيت المرء قام بعهده ... فاحسبه فاق الكل في عليائه»
وخفيف الروح هو. الحبّ مضمونه. والحبّ أبديّ. لا ترقد روحه بسلام إلّا لأنّه عاش بسلامٍ وبتصالحٍ مدهشٍ مع النفس.