«الكورة الخضراء» أسرجت جيادها استعداداً لخوض الإنتخابات البلدية المقبلة، إلا أنّ كلّ القوى السياسية الفاعلة في القضاء تتأنى حتى الساعة في إمتطاء خيلها. الأغلبية تتذرّع بأنه «بعد بكير» على كشف الأوراق، السبب أنه لحسابات الإنتخابات المحلية ميزان آخر يختلف عن «النيابة»، فمن لا يُنظم بيته الحزبي جيداً يكون مُعرّضا لأن تجرفه محدلة العائلات.
بساتين الزيتون تمتد على مدى البصر بين بلدات الكورة وعلى الطريق العام. شركة الترابة التي قضمت الجبال وغياب البنى التحتية والطريق السيئة، لم تحرم الكورة لقبها. هي «زيتونة الشمال» التي تحرسها جبال الأرز في بشري.
صبغة قضاء الكورة أنه يمثل منطقة ثقل للحزب السوري القومي الإجتماعي، فـ«الكورة قلعتنا وأميون حصننا»، كما يقول أنصاره. في ظلّ الوجود السوري في لبنان، لم يكن «القومي» وتيار المردة بزعامة النائب سليمان فرنجية يواجهان صعوبة في حسم المعارك الإنتخابية لمصلحتهما. تبدل الوضع بعد الـ2005، فبات فريق 14 آذار خصماً شرساً وصار للمعارك طعمٌ آخر. اليوم، فريق الثامن من آذار مُرتاح على وضعه، حتى بعد ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. المشكلة في الكورة هي قلّة عدد الناخبين بسبب هجرة النسبة الأكبر منهم. ففي «عاصمة القضاء»، أميون، مثلاً، من أصل نحو 7260 ناخباً مسجلا، يقترع 2600 شخص في الحدّ الأقصى.
المردة: إذا شعرنا بأن هناك معركة من أجل إلغائنا فسنخوضها

في تسلسل القوى الحزبية، يحتل المرتبة الأولى «القومي» الذي يملك «قرابة الـ8 آلاف صوت معظمهم يتمركزون في القرى الأورثوذكسية»، إستناداً إلى مصادر «كورانية». يليه تيار المستقبل «الممثل بالنائب السابق فريد مكاري ويملك تقريباً 6500 صوت». أما القوات فلديها «قرابة الـ3500 صوت. ثقلهم في البلدات المارونية». يُضاف إلى القوى الثلاث الأقوى، تيار المردة ثم التيار الوطني الحر.
نائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري ينفض ــ في اتصال مع «الأخبار» ــ يديه من البلديات، مشيراً إلى أنه غير معني. ورغم ذلك، برأيه، أنّ «الحديث ما زال مُبكراً». إلا أنّه استناداً للمعلومات المتداولة في القضاء، «بدأت تظهر بوادر تعاون ين مكاري وتيار المردة. هناك إتفاق مبدئي على أن يخوضا الانتخابات سويا، والتنسيق يجري على مستوى سليمان فرنجية شخصياً والدائرة اللصيقة به». لا بل أكثر من ذلك، «طلب من المردة التنسيق مع القوميين في بعض البلدات، متنازلاً عنها». لا يعني ذلك أن مكاري قرر تطليق القوات في الكورة أيضاً، فـ«كلامه جميل مع كل القوى». هذا ما يؤكده النائب فادي كرم حين يقول إنّ «لكل منطقة خصوصيتها. في الكورة نحن ومكاري على تفاهم. ننسق معه كما نُنسق مع التيار (الوطني الحر) والأجواء إيجابية مع الطرفين».
حتى تاريخه، لم تنكشف آثار التحالف القواتي ــ العوني في الكورة، ذلك لسببين إستناداً إلى المصادر: أولاً «ماكينة مكاري الخدماتية تؤثر سلباً في القوات». ثانياً «هناك خلل تنظيمي في ماكينة التيار. جمهورهم لا يتحرك إلا إذا كان سيلتقي ميشال عون». وتكشف المصادر المطلعة على المفاوضات أنّ «القوات عرضت على القومي التحالف في بعض البلدات ولكن أبناء سعادة لم يعطوا جوابهم بعد. إذا وافقوا فسيأتي ذلك بإطار محلي بحت ومحدود».
يصف منفذ عام مديرية الكورة في «القومي» جورج برجي البلديات بـ«الموقع النضالي الجدي لخدمة الناس. نحن نحاول أن نضع حداً للخلافات ويكون هناك خطة عمل في البلدات». لكل بلدة طبيعتها «ومن الممكن أن يكون للتيار الوطني الحر خيارات أخرى في بعض القرى بعدما قطعوا شوطاً كبيراً مع القوات». ولكن في حال خوض معركة سياسية «فأكيد لن نكون مع القوات». أما مكاري فهو «جزء من الحالة الكورانية. لا مانع يحول دون أن نكون معاً».
حليف «القومي» الثابت مهما تبدلت خارطة التحالفات، هو تيار المردة. «بيننا وبين القومي ثقة مطلقة»، يقول المسؤول القيادي في المردة ومدير مكتب الوزير السابق فايز غصن رامي لطوف. بالنسبة إليه «في 1 أيار تكون قد انفرزت الأرض وكوّنا فكرة عن الكورة». ذلك لا يلغي أنّ المردة «يتواصل مع المحازبين الذين يشرحون أوضاع بلداتهم». المردة يؤيد التوافق في كلّ القضاء، «لكن إذا شعرنا بأن هناك معركة من أجل إلغائنا فسنخوضها وسيكون لنا لوائح». أما بالنسبة للتنسيق مع مكاري، فيشرح لطوف أن «العلاقة الشخصية تطورت بعدما دعم ترشيح فرنجية للرئاسة، إنما لم تتحول إلى تحالف إنتخابي وسياسي بعد». ويهم لطوف الرد على من يحاول التفريق بين حالة غصن ووجود المردة في الكورة بأنّ هناك «تكاملا. فايز غصن زعيم ونائب رئيس المردة في الوقت عينه».
عضو الهيئة التأسيسية في التيار الوطني الحر جورج عطالله يؤكد أيضاً أنه سياسيا «حليفنا هو، حتى الساعة، الحزب السوري القومي الإجتماعي». يعي أنّ الانتخابات لا يُمكن أن تُخاض بحدّة سياسية، «يجب أن نسعى لاختيار نُخب العائلات، حتى لو لم يكن المرشحون من الحزبيين. نضغط للتوافق في البلدات إنطلاقاً من تحالفاتنا السابقة، ونرى أنه انضم إلينا فريق جديد هو القوات. المباحثات تُحدد تطور الأمور». يبدو عطالله مرتاحاً لقدرة «التيار» التجييرية، وهو يتحدى «أن يتمكن أي طرف وحده من حسم المعركة».
يضم قضاء الكورة 35 بلدة، أبرز البلدات التي تشهد معارك سياسية هي كفرحزير، كفرحاتا، داربعشتار، كفرعقا، كوسبا، أنفة، دده، وأميون. لهذه الأخيرة بُعد آخر والقرار فيها يحسمه «القومي» والنائب السابق سليم سعادة. التوجه لدى كلّ القوى هو أن تكون اللائحة توافقية ــ إنمائية. أسماء عدّة تريد الترشح، ولكن لم يُجاهر برغبته سوى الرئيس الحالي غسان كرم، القريب من القومي، ورئيس المحكمة الحزبية العليا في «القومي» نزيه غنطوس، السيد مالك مالك وخلدون طالب «الذي يُمكن أن يكون الحلّ إذا احتدم الصراع»، إستناداً إلى مصادر مقربة من «القومي».
يقول غسان كرم، ابن عمّ النائب فادي كرم، إنه مرشح «وقد أبلغت أصحاب القرار (القومي، سعادة والمرشح السابق إلى النيابة غسان رزق) ذلك. أثبتنا أن البلدية كانت مُنتجة». كرم يدور في فلك «القومي» ويرى أنه تمكن من تكوين حالة «فرضت واقعاً إنمائياً بعدما كانت أميون قبل الـ2013 (تاريخ استلامه) محرومة. الآن البلدة نوعاً ما مكتفية، تنقصنا صيانة للطرقات». يهمه طمأنة من يتهمه بأنه يريد الاستئثار بالبلدية: «إذا انتخبت هذه الدورة فلن أترشح مرة ثالثة. ولكن ولاية ثلاث سنوات غير كافية لإتمام الأعمال». هو لن يُقدم على أي عمل استباقي قبل صدور الفرمان، ولكن «أتمنى أن يُحسَن الاختيار. معركة أميون لا تُخاض في عشرة أيام، يجب أن يُتخذ القرار سريعاً».
من "سخرية القدر" أنّ كلّ الأطراف السياسية في الكورة تخطب ود القومي، رغم انها في العلاقات السياسية "المركزية"، تبتعد عنه: حليفه المفترض التيار الوطني الحر «خجل» بعلاقته به. يتجنب الوزير جبران باسيل زيارة رئيسه أسعد حردان، ويُشكل وفداً، برئاسة بيار رفول، للوقوف على خاطر النائب خالد الضاهر، المتهم الاول من القوميين بارتكاب مجزرة حلبا (أيار 2008)؛ وتيار المستقبل يتهم حزب أنطون سعادة بأنه أحد أذرع النظام السوري؛ أما القوات اللبنانية، فيفاخر القوميون باغتيال مؤسسها بشير الجميل.