«في هذا الربيع المليء بالسعادة والآمال، أعتقد أن اجتماعي الأول مع الأمين العام شي جين بينغ، سيجني ثماراً وافرة للصداقة بين كوريا الديموقراطية والصين، وسيسهل السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية». بهذه العبارة، اختتم «الرفيق الرئيس» كيم، كما ناداه الرئيس الصيني، زيارته «السريّة» للصين، إذ لم تُعلَن رسمياً إلا أمس، عقب انتهائها.كيم الذي كان قد وصل يوم الأحد إلى بكين، أعلن في كلمة ألقاها أثناء مأدبة عشاء أقامها نظيره الصيني، أنّ حقيقة اختياره الصين وجهةً لأول زيارة خارجية له، أظهرت رغبته في مواصلة «تطوير الصداقة التقليدية» بين الدولتين، فيما لاقاه شي جين بينغ بالحديث عن «دفع العلاقات بين الحزبين والبلدين إلى مستوى جديد في هذه المرحلة التاريخية الجديدة».
هذا التلاقي في التصريحات، كان واضحاً أيضاً على المستوى «النووي»، إذ إنّ كيم أشار إلى أنّ «قضية نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية يمكن حلها، إذا استجابت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة لجهودنا بنية طيبة، وخلقت جواً من السلام والاستقرار، مع اتخاذ إجراءات مرحلية ومتزامنة لتحقيق السلام». وهذا ما كان شي قد أعلن مثيلاً له، حين اقترح «أربع» نقاط لتطوير العلاقات بين البلدين، وهي باختصار: «أولاً، في ظل الظروف الجديدة، فإنني أرغب في الحفاظ على اتصالات متكررة مع الرفيق الرئيس عبر مختلف القنوات؛ ثانياً، إفساح المجال كاملاً أمام الممارسات القيمة للاتصال الاستراتيجي؛ ثالثاً، إننا على استعداد لبذل جهود متضافرة مع الجانب الكوري الديموقراطي، والتماشي مع اتجاه العصر، ورفع راية السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المتبادلة، خفاقةً، ومواصلة تحسين مستوى معيشة الشعبين، وتقديم إسهامات إيجابية للسلام والاستقرار والتنمية الإقليمية؛ رابعاً، توريث ودفع التقليد الجيّد لصداقتنا قدماً».
هكذا، عكست الكلمات بشكل واضح «الصداقة التاريخية» بين البلدين، التي «لا يتعين أن تتغير، ولن تتغير بسبب أي حدث وفي أي وقت»، كما قال شي جين بينغ. ودون أي مواربة، أعلن «الرئيس الرفيق» كيم، هدف زيارته بوضوح، قائلاً: «في الوقت الراهن، يتطور الوضع في شبه الجزيرة الكورية على نحو سريع، وجرت العديد من التغيرات المهمة»، مضيفاً أنه شعر بأنه يتعين أن يأتي في هذا الوقت «ليطلع الأمين العام الرفيق شي جين بينغ، شخصياً، على الوضع انطلاقاً من الصداقة والمسؤولية الأخلاقية... (إذ) إنّ كوريا الديموقراطية مصممة على تحويل العلاقات بين الكوريتين إلى علاقة من المصالحة والتعاون وعقد قمة بين رئيسي الجانبين... وترغب في إجراء حوار مع الولايات المتحدة وعقد قمة للبلدين».
عكست الكلمات بوضوح «الصداقة التاريخية» بين البلدين


تزامناً مع إعلان هذه الزيارة، أبدى دونالد ترامب، رغبته في عقد لقاء مع كيم جونغ أون، لكن دون أن يبدي أي رغبة في رفع العقوبات عن بيونغ يانغ. وقال ترامب، في تغريدة على «تويتر» أمس: «لسنوات عدة، وعبر العديد من الإدارات المتعاقبة، قال الجميع إنه ليس هناك إمكانية، ولو ضئيلة، للحفاظ على السلام ونزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية»، مستدركاً: «الآن هناك فرصة جيدة لأن يقوم كيم جونغ أون بما هو مناسب لشعبه وللإنسانية... نتطلع إلى اجتماعنا!». وتابع: «تلقيت رسالة الليلة الماضية من الرئيس الصيني تفيد بأن اجتماعه مع رئيس كوريا الشمالية جرى بصورة جيّدة للغاية وأنه يتطلع إلى عقد لقاء معي»، ثم قال: «للأسف! يجب الحفاظ على أقصى درجات العقوبات والضغط بأي ثمن».
المشهد الذي يؤكد أنّ الحديث عن القمة بين ترامب وكيم، بات جدياً أكثر من أي وقت مضى، لم يكن بالإمكان الوصول إليه، لولا مناورات كيم العسكرية التي كادت أن توصل في الصيف إلى مواجهة مباشرة مع الأميركيين. في ذلك الوقت، كان الغربيون يصفون كيم بـ«المجنون»، قبل أن يتبيّن أنّه نجح في مناوراته العسكرية، إذ لم يسمح للأميركيين بضربه برغم تخطيه «خطوطاً حمراً»، فيما استوعب على الصعيد السياسي «الجار الجنوبي» خلال الأولمبياد الشتوي الأخير، وبعث برسالة عبر سيول إلى ترامب يُعرب فيها عن الاستعداد للقائه.
المشهد الذي كان سيبدو كارثياً لولا أنّ كيم لم يُظهر براعته في لعبة الشطرنج ضدّ ترامب، يصفه جيداً توماس جونز، في مقالة ستُنشر في عدد الشهر المقبل من «لندن ريفيو أوف بوكس». يقول: «في نهاية العام الماضي، قيل إنّ كيم جونغ أون كان سيطوّر القدرة على ضرب العاصمة واشنطن بصاروخ نووي بنهاية شهر أيار من هذا العام، وكانت توجد ضغوط (في واشنطن) لتوجيه ضربة وقائية لكوريا الشمالية قبل ذلك التاريخ»، مضيفاً: «يوم 13 كانون الثاني، انطلق إنذار خاطئ حذّر الناس في هاواي بأنّهم على وشك أن يُبادوا بقنبلة كورية شمالية، ولم يكن لدى ترامب، الذي كان يلعب الغولف وقتها، أي شيء ليقوله لهم. وفي 25 من نفس الشهر، قدّمت مجلة العلماء الذريين ساعة القيامة الخاصة بها إلى دقيقتين قبل منتصف الليل، وهو أقرب وقت منذ عام 1953». جدير بالذكر، أنّ «ساعة القيامة» هي رمزية، وأنشأها في بدايات الحرب الباردة مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو، وهي كانت تُنذر بـ«نهاية العالم» بسبب سباق التسلّح النووي الذي كان قائماً، وذلك في حال وصول عقاربها إلى منتصف الليل، أي ما يعني: قيام حرب نووية.
هذه الحرب يبدو حتى الساعة أنّ التعاون الصيني ــ الكوري شمالي لن يجعلها تتحقق، كذلك لن يسمح بتوجيه ضربة وقائية إلى بيونغ يانغ كما تقول الوقائع. إلا أنّ مسار الأحداث التي قادها كيم ببراعة، كان أشبه برواية بوليسية، من طراز رواية «قطار الشرق السريع» لآغاتا كريستي، خاصة حين يتعطّل سير هذا القطار في أعلى الجبل، عند حافة الهاوية، فيما يستكمل المحقق هيركول بوارو، تحقيقاته حول الجريمة التي وقعت فيه، على طاولة موضوعة عند حافة عربة دون أبواب، فوق هذه الهاوية. ربما من أوجه التشابه، أنّ كيم وصل إلى بكين، على متن القطار المصفّح، وهذا القطار أعطى أيضاً بُعداً رمزياً للزيارة، إذ إنّه هو نفسه الذي كان والده، كيم جونغ إيل، وجدّه، كيم إيل سونغ، يستخدمانه في الرحلات الخارجية. في زمن الصراعات، وحده الماضي، يملي المشهد بعبقه الخاص، وهذا ما فعله هذا القطار الذي كانت «فايننشل تايمز» تتبّع سيره أول من أمس، أي قبل إعلان الزيارة، للدلالة على أنّ كيم «قد يكون في بكين».
إذاً، انطلق قطار شرق آسيا «السريع» نحو القمتين المرتقبتين. لكن عملية الانطلاق، أثبتت، أولاً، أنّ «دور الصين الفريد في شبه الجزيرة الكوريّة ثابت، ولا يمكن اقصاؤه»، كما علّق دا زيغانغ، وهو مدير «مؤسسة الدراسات الآسيويّة في أكاديميّة العلوم الاجتماعيّة» في حديث إلى صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية (شبه الرسمية). إلا أنّ هذه العملية، يُدرك الفاعلون فيها أيضاً، خاصة بكين وبيونغ يانغ، ومن خلفهما موسكو، أنّ «قضيّة شبه الجزيرة الكوريّة معقّدة، ولا يجب أن ننتظر حلّ جميع المشاكل بين ليلة وضحاها، إذ لا تزال توجد حاجة إلى الصبر والجهود الثابتة»، يقول لو شاو، الباحث الصيني، للصحيفة نفسها.



موسكو تُرحِّب


رحبت وزارة الخارجية الروسية، أمس، بلقاء القمة الذي جمع في بكين الرئيس الصيني شي جين بينغ، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. ووصفت الخارجية، في بيان لها، الاجتماع الذي عقد أثناء أول زيارة خارجية لكيم جونغ أون بعد تسلمه مقاليد الحكم، بأنه «خطوة بالغة الأهمية نحو تثبيت النزعات الإيجابية التي تبلورت في تطورات الأوضاع بشبه الجزيرة الكورية وحولها في الآونة الأخيرة». وأعربت موسكو عزمها على «الاستمرار في التنسيق الوثيق مع شركائها الصينيين، في بذل الجهود النشطة بغية الإسهام في تسوية قضايا شبه الجزيرة بالطرق الدبلوماسية حصراً، عبر الحوار المباشر بين الأطراف المعنية».