لن يُعدم تيار المستقبل السُبل من أجل إعادة لملمة شارعه في طرابلس ــ المنية ــ الضنية، الناقم عليه. فقد أصبحت منطقة الشمال بدائرتيها، الأولى والثانية، محطة أسبوعية في برنامج الأمين العام لـ«التيار» أحمد الحريري. الجُهد عينه يضعه رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي في دائرة الشمال الثانية. شكّل لائحة تُعتبر الأكثر التصاقاً بالفيحاء وتشابهاً معها، وهو بات يحضر بشكل شبه دائمٍ فيها. المعركة الأساسية تدور بين هذين الفريقين. في سبيل تحقيق كلّ منهما هدفه، يوظفان كلّ الوسائل الانتخابية المتاحة: تسعير الخطاب السياسي، تبادل الاتهامات بالتقصير الانمائي. ولكن، لتيار المستقبل «عدّو» ثانٍ في الشمال الثانية، يُريد أن يكسره، هو الوزير السابق أشرف ريفي.يُدرك اللواء المتقاعد أنّ المعركة «سنّياً»، بين «ماردين»، صعبة، وظروفها لا تُشبه الانتخابات البلدية. إلا أنّ «الجنرال» المعروف بأسلوب «الهجوم» واعتماده «النبرة العالية» في خوضه لمعاركه، آثر الصمت والغياب عن الساحة. حُشر في الزاوية، بعد أن تمكّن تيار المستقبل من فرط عقد مناصريه. يُضاف إلى ذلك، معاناته مادياً منذ أشهر، وغياب أي غطاء إقليمي، وفشل المجلس البلدي المُهدّد دائماً بتقديم أعضائه لاستقالاتهم.
نجح الخصوم في تجريد ريفي من معظم أسلحته، فاختفى من المدينة ليظهر في الولايات المتحدة وفرنسا، مُحرّضاً على حزب الله ومُحاضراً في مكافحة الإرهاب. لو أنّ تلك المحاضرات تنعكس أصواتاً في صناديق الاقتراع، أو تُساعده في حركته السياسية، لكان المرء تفهّم تفضيله إياها على بدء حملته الانتخابية في الشمال الثانية، وعكار، وبيروت الثانية، وتركه ساحته «سائبة».
معظم القوى السياسية في دائرة الشمال الثانية تؤكد أنّ «وهج ريفي خفت، وفي حال بقي الوضع على ما هو عليه حتى 6 أيار، فإنّ من الصعب أن تحصل لائحته على الحاصل الانتخابي». يتحدّث هؤلاء عن فقدان ريفي للخطاب السياسي. فبعد فوز اللائحة التي دعمها في الانتخابات البلدية، «ركب ريفي موجة تطرّف سنّي في المنطقة، والتي انحسرت مؤخراً». كذلك فإنّ «السنّة في لبنان، بشكل عامٍ، غير منزعجين من خطاب (رئيس الحكومة) سعد الحريري، خاصة بعد أن احتضنته السعودية مجدداً». لا يعرف ريفي ما هي الاستراتيجية السعودية الجديدة في لبنان، ولكنّه يقول لـ«الأخبار» إنّ «العلاقة بيننا مُجمّدة»، قبل أن يستدرك بالتأكيد على الاحترام بينه وبين المملكة.
القوى السياسية في الشمال الثانية تؤكد إمكان عدم حصول لائحة ريفي على الحاصل


يُخبر ريفي أنّ أحد الخُبراء الانتخابيين «الذين أثق بهم أخبرني أنّ شعبيتي مُتراجعة. وافقت معه، ولكن قلت له إنّه يوجد سببان لذلك: غياب الامكانات المادية، والضغوط الأمنية». توجّه الخبير الانتخابي إلى طرابلس «من دون أن يُصدقني»، واستطلع أناساً «استبدلوا صوري بصور الحريري. جوابهم الأوّلي عن الأسئلة كان أنّهم يدعمون تيار المستقبل. ولكن بعد أن استفاض الخبير في الحديث معهم، أخبروه أنّهم ضمنياً معي وسيُبرهنون ذلك في صناديق الاقتراع». بهذه الثقة يتحدّث اللواء المتقاعد، ويزيد أنّ «أجهزة الدولة تستعمل حالياً كلّ قدراتها، تهديداً وترغيباً، وتُفبرك ملفات للناس. ونحن طلبنا من ناسنا أن لا يكونوا في مواجهة القوى الأمنية. ولكن حين ندخل رسمياً في جوّ الانتخابات، سيُشلّ عمل الأجهزة وسيكتشفون أنّ كلّ ما قاموا به يُساوي صفراً». من الأمثلة على التدخلات الأمنية، يذكر ريفي «مرافقة رئيس قسم المحافظة لقمان الكردي، واللواء سعد الله الحمد، لأحمد الحريري في جولاته، وتوزيع مساعدات للأهالي من قبل الهيئة العليا للإغاثة». مصادر في «المستقبل» تردّ مُتهكّمة «الأجهزة الأمنية تقوم بالدور نفسه الذي كان ريفي، الأمني، يلعبه خلال الاستحقاقات السابقة».
يوم الاثنين المُقبل، يُطلق ريفي لائحته في الشمال الثانية. «انتظروا وسوف ترون استنهاض الجماهير… إلا إذا قطعوا عليهم الطُرقات»، يقول الوزير السابق. لا يُنكر الرجل الادعاءات في المدينة أنّه أراد «مُتموّلين» على لائحته، «فنحن بحاجة إلى أن نؤمن الحدّ الأدنى من التمويل، ولكن لم يكن هذا المعيار، بل أردنا أيضاً من لديه حيثية شعبية». يتناقض ذلك مع ما تقوله الماكينات الانتخابية المعارضة لريفي: «لا يوجد على لائحة اللواء سوى اللواء»، بمعنى أنّ الآخرين لا يملكون قدرات تجييرية، «وقد أُجبر بهم، بعد أن ضُغط على المُرشحين الأقوياء لعدم التحالف معه». يُنكر ريفي ذلك، «كلّ المُرشحين كانوا من بين الخيارات المُتاحة أمامنا».
في المنية، ضاقت خيارات ريفي حتى اضطر إلى ترشيح وليد المصري، «المحامي الذي يسكن في النبي يوشع، ووضعه المادي جيّد»، تقول المصادر. من خارج التقليد السائد، اختار ريفي أسامة أمون في الضنية. فهو ابن إيزال، «ومنطقة الحرف تُشكل قرابة 37% من أصوات الناخبين، ولم تُمَثَل على أي لائحة». زميله في القضاء هو الرئيس السابق لبلدية سير الضنية راغب رعد، «آدمي ويملك أحد أهم المطاعم في المنطقة، ولكن من دون حيثية انتخابية». عن المقعد العلوي، ترشح بدر عيد، ابن شقيق محسن عيد. كان الرجل حتى الأمس القريب يعيش في الولايات المتحدة الأميركية. «نقطة تميّزه» الوحيدة أنّه على علاقة سيّئة مع أبناء عمه في الحزب العربي الديمقراطي. جورج جلاد، هو نائب رئيس بلدية طرابلس في دورة 2010، والمُرشح عن المقعد الأرثوذكسي، «الذي لا تتعدّى حيثيته إطار عائلته». أما المُرشح عن المقعد الماروني حليم زعني، فهو من قضاء البترون. لم يكن في الفترة السابقة «بعيداً عن التيار الوطني الحر وتيار المردة». سُنّياً، يوجد وليد قمر الدين الذي يعمل انتخابياً «للمرة الأولى ضدّ ميقاتي. يعتبر أنّه مدين لريفي الذي تبنّى ترشيح أخيه إلى رئاسة بلدية طرابلس». أما عضو المجلس البلدي خالد تدمري، فهو من «أهم خبراء الآثار في الشمال». لديه علاقات جيدة في تركيا، «والتقى رجب طيب أردوغان أكثر من مرة». بعد أن «وعَد» نفسه بالترشح مع أكثر من فريق، تبنّى ريفي ترشيح محمد سلهب، مالك جامعة ULF في الكورة المدعومة من الفرنسيين. وأخيراً، عاد المُرشح وليد الأيوبي «وظهر منذ قرابة شهر ونصف، ناشطاً في منطقة القبة، بعد أن ذاع صيته شمالاً بعد أحداث 7 أيار 2008».