بعد أشهر على احتجازه رئيس الحكومة سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، قرّرت بلدية بيروت إطلاق اسم العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز على الطريق الممتد من ميناء الحصن حتى خليج السان جورج في وسط بيروت! اسم سلمان يضاف إلى أسماء ملوك وأمراء ومحتلين تُطلق على شوارع العاصمة بعيداً عن أي معايير. فيما يُجمع عدد من الباحثيين المدينيين على أن إطلاق أسماء أشخاص على مناطق لا علاقة مباشرة لهم بتاريخها وناسها، يمسّ حق السكان في المدينة ويُساهم في تزوير تاريخها!عند السادسة والنصف من مساء اليوم، تُدشّن «جادة الملك سلمان بن العزيز»، في بيروت، في احتفال يُقام في ميناء الحصن أمام فندق «فورسيزن»، برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري والقائم بالأعمال السعودي وليد البخاري. اسم الملك السعودي سيُطلق على الشارع المُمتد من ميناء الحصن حتى خليج السان جورج (أو ما يُعرف بـ«زيتونا باي»)، بقرار اتّخذه المجلس البلدي بناء على اقتراح رئيسه جمال عيتاني الذي «لبّى بذلك تمنيّاً للقائم بالأعمال السعودي في هذا الشأن» بحسب مصادر في المجلس البلدي. ومن المعلوم أن قرارات تسمية الشوارع والأبنية العامة وإقامة النصب التذكارية والتماثيل تخضع لتصديق من قبل وزير الداخلية والبلديات بموجب المادة 62 من قانون البلديات.
الأبعاد الانتخابية للتسمية ليست خافية على أحد. وتأتي هذه الخطوة، بحسب المتحمّسين لها وأبرزهم الفريق السياسي المحسوب على تيار المستقبل، ضمن مساعي «تعزيز العلاقات التاريخية اللبنانية ــــ السعودية وضرورة الحفاظ عليها». علماً أنها ليست المرة الأولى التي تبدي فيها بلدية بيروت حرصها على «تعزيز» العلاقات مع السعودية بهذه الطريقة. إذ سبق أن أطلقت، عام 2005، اسم الملك فهد بن عبد العزيز على الكورنيش البحري الجديد الممتد من المرفأ الغربي في الوسط التجاري حتى شارع جورج حدّاد.

تبعية ومسّ بحق السكان
اختيار اسماء الشوارع والمرافق العامة يتم، عادة، بناء على دراسات جادة لإنجازات أصحابها، بما يجعلهم يستحقون التخليد من خلال إطلاق أسمائهم على أحد المرافق الحيوية أو الشوارع. لكن، في لبنان، يبقى إطلاق التسميات بعيداً عن أي معايير كهذه، وينحصر في التعبير عن التوجهات السياسية لمن يقفون وراء إطلاقها. إذ لم يُسجل لسلمان بن عبد العزيز إنجاز يستحق أن يكرّم بسببه، ولا «مكرمة» يستحق أن يُكافأ عليهم بإطلاق اسمه على أحد شوارع العاصمة، اللهم إلا «مكرمة» احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في الرياض واجباره على الاستقالة في الرابع من تشرين الثاني الماضي!
وبحسب باحثين مدينيين، فإن «النهج» الذي ينسب شوارع المدينة الى أشخاص لا يملكون صفة الإلتصاق المُباشر بتاريخ الأحياء وناسها، يمسّ بحق الأشخاص في المدينة عبر وسم المناطق بسمات سياسية توحي بنوع من التبعية للجهة التي يحمل الشارع اسمها.
وتوضح الباحثة المدينية نادين بكداش أن إطلاق أسماء رموز سياسية على الشوارع من شأنه أن يسمها بطابع سياسي من دون الأخذ في الاعتبار رأي الأفراد الذين يقطنون فيها، مُشيرة الى أن «نسب المدينة الى أشخاص غير مرتبطين بالسكان يمسّ بحق هؤلاء في المدينة».
الناشطة جوزيت خليل التي ساهمت في إعداد مشروع فني يتعلّق بأسماء شوارع بيروت، رأت أن تسمية الشوارع هي فعل سياسي بحدّ ذاته، «إذ تعطي لصاحب الإسم أهمية ومكانة في الحيّز الذي يحمل اسمه»، مُشيرةً الى «تأثير هذه المبادرات على الميول السياسية للأفراد الذين قد يوهمون بإنجازات وبعظمة مُفتعلة تعود لصاحب الإسم».

فوضى التسميات: تزوير التاريخ!
يُكتب التاريخ من خلال أسماء الشوارع. هذا ما يُجمع عليه عدد من الباحثين المدينيين ممن تواصلت معهم «الأخبار». إذ أن للتسميات «مفعولاً زمنياً طويل الأمد». وهي، بعد سنوات طويلة، ستوحي بحقبة تاريخية تربط هذه المنطقة من المدينة بصاحب الإسم. وأي سرد للأحداث التي ستشهدها المناطق التي تحمل أسماء هؤلاء، سيُساهم بطريقة أو بأخرى في الترويج لهم بوصفهم ذوي مكانة وتأثير. من هنا، فإن «إسقاط» أسماء لا تملك فعلا هذه المكانة لدى سكان المُحيط من شأنه أن يُعدّ تزويرا للحقبات التاريخية.
تسمية المناطق تعتمد على «ثلاثية» التاريخ والإسم والمكان والإسم الأنسب لأي منطقة هو الذي يراعي تاريخها


ألفرد طرزي الذي عمل على مشروع إعداد خارطة لأسماء شوارع بيروت أكد لـ«الأخبار» أن لأسماء الشوارع علاقة بكتابة التاريخ، لافتا الى أن آلية تسمية الشوارع في بيروت ساهمت في إضعاف علاقة الناس بتاريخ المدينة. هذه الآلية، بحسب طرزي، تفصل بين الاسم والمكان والتاريخ، «فيما الإسم الأنسب لأي منطقة هو الذي يراعي تاريخ المنطقة، كساحة الشهداء مثلاً». ويلفت إلى أن تسمية المناطق في البلدان الغربية تعتمد على «ثلاثية» التاريخ والإسم والمكان، «فيما تخضع تسمية المناطق لدينا لما يُشبه المزاد العلني، ومن يدفع أكثر نعطيه نطلق اسمه على واحد من شوارعنا».

استعمالات الناس تفرض الأسماء
بعض أسماء الشوارع يتغيّر على الخارطة فقط، في حين تبقى الأسماء القديمة راسخة في الأذهان بفعل الاستعمال المتكرر على ألسنة الناس. يشير طرزي، على سبيل المثال، إلى أن قليلين من يستخدمون إسم «جادة باريس» للإشارة الى الكورنيش البحري المعروف عموماً باسم «المنارة». وما يعزّز «قوة» الناس في فرض التسميات هو، إضافة الى الذاكرة الجمعية، غياب اللافتات التي تحمل أسماء الشوارع والتي تلعب دورا في جعلهم يألفون أسماء دون أخرى. هكذا، يُستبعد أن يحل اسم «جادة الملك سلمان بن عبد العزيز» بدل «زيتونا باي» أو الـ«سان جورج»، أولاً للأسباب المذكورة أعلاه، وثانياً لـ«ثقل» الاسم بما يحول دون جريانه على الألسن.



«بيت الوسط» يمرّ بشارع «الأمير حمد»


تقع «جادة الملك سلمان بن عبد العزيز» في موازاة الشارع الذي يحمل اسم «الأمير الأمير حمد بن خليفة آل ثاني»، في منطقة باب إدريس في وسط بيروت. ففي عام 2010، اتخّذت بلدية بيروت قرارا بتسمية الشارع على اسم أمير دولة قطر السابق، وأقيم في 30 نيسان عام 2010 احتفال عند مدخل الشارع للمناسبة حضره رئيس الحكومة (آنذاك أيضاً) سعد الحريري. علماً أن «شارع الأمير حمد» يؤدي الى «بيت الوسط» حيث يقطن الحريري.


للملك سلمان شارع في طرابلس أيضاً


في 14 تشرين الأول 2017، قبل 20 يوماً من احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض، دشنت بلدية الميناء (طرابلس)، بالتعاون مع «مؤسسة الصفدي»، «جادة الملك سلمان بن عبد العزيز» في شارع المعرض في عاصمة الشمال. كان ذلك، أيضا، بحضور القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد بخاري الذي شارك مع النائب محمد الصفدي ورئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين في رفع الستار عن لوحة تذكارية للمناسبة.