لبنان معرّض لزلزال مدمر في أي لحظة. بات هذا أمراً شائعاً رغم أن أحداً لا يستطيع تحديد موعد وقوع الكارثة. التنقيب المزمع عن النفط والغاز في البحر اللبناني أثار أخيراً مخاوف من أن تحفّز عمليات الحفر الصفائح التكتونية، بما يحرّك «فالق جبل لبنان» البحري الذي يحتل المرتبة الثانية لناحية قدرته على إحداث هزات وزلازل. الجيولوجيون يطمئنون: لا رابط بين الأمرين. لكنهم، في الوقت نفسه، يحذّرون من ان الزلزال القادم لا محالة، لن يجد من «يقف» في وجهه سوى ضابط ومديرين عامين في الوزارات!لطالما تغنّى اللبنانيون بالـ«نصف ساعة» التي تفصل الجبل عن الساحل. «أسطورة» جميلة تقوم فوق خطر حقيقي يهدّد بتغيير هذه الجغرافيا، عن بكرة أبيها. فمعلوم أن لبنان يقع فوق صفائح «تكتونية» (وهي أقسام من سطح الأرض تتحرك بشكل دائم بفعل الطاقة المختزنة في باطن الأرض) تؤدي حركتها المفاجئة، عادة، إلى وقوع الزلازل. ووفق مصادر في مركز بحنس لرصد الزلازل، «لبنان ناشط زلزالياً، وتُسجّل يومياً زلازل صغيرة لا يُعلن عنها لعدم أهميتها».
في عام 2017، ربطت دراسة علمية أجرتها دائرة أوكلاهوما للمسح الجيولوجي وجامعة «ساوثرن ميثوديست» في ولاية تكساس الأميركية بين مئات الزلازل في هاتين الولايتين وبين عمليات حقن المياه التي تنتج بشكل ثانوي أثناء عمليات التنقيب عن النفط والغاز. فهل تحفّز عمليات التنقيب المزمع إجراؤها في البحر اللبناني الصفائح التكتونية بما يعجّل في حدوث الزلزال الذي يتوقّعه غالبية الجيولوجيين؟
«لا دليل على وجود رابط بين التنقيب عن النفط والغاز في عمق البحر وتحفيز الصفائح»، بحسب الاختصاصي في علم الزلازل البروفسور الياس عطا. ويوضح أن «عملية الحفر تغير خصائص الأرض في المنطقة المحيطة بالآبار ما يؤدي إلى زلازل تراوح قوتها بين ثلاث درجات وخمس، ولكنها صغيرة لا يتأثر بها البر اللبناني». عطا يستبعد أيضاً أن يؤثر الحفر وحقن المياه لسحب النفط والغاز على الفالق البحري القريب من اليابسة (على عمق 1300 ــــ 1500 متر تحت سطح البحر) بما يؤدي إلى حدوث زلزال و«تسونامي». ويوضح أن «عمليات الحفر ستجري على مسافة بعيدة من الشاطئ، لا تقل عن عشرة كيلومترات، وستنحصر في الطبقات العليا».
عمليات الحفر تؤدي إلى زلازل تراوح قوتها بين ثلاث درجات وخمس على مقياس ريختر


هذا الأمر يستبعده أيضاً الدكتور علي قعفراني، أستاذ الفيزياء المحاضر في جامعة بيروت العربية، بسبب الطبيعة الجيولوجية للأرض اللبنانية وطبقاتها الصخرية. ويوضح أن الدراسات بيّنت أن النفط اللبناني موجود على عمق 3200 متر تحت سطح الماء (1500 متر عمق المياه و1700 عمق الطبقة الصخرية)، «وهذه المكامن بعيدة جداً عن سطح الطبقة الصخرية في البحر مما يمنع حصول انهدامات وانخسافات، كتلك التي يمكن أن تحصل في دول يجري فيها التنقيب في طبقات قريبة من سطح الأرض كالسعودية والعراق».

لا تطمئنوا!
هل على اللبنانيين الاطمئنان إذاً؟ ليس تماماً. فنحن، بحسب عطا، وبعيداً عن التنقيب عن النفط والغاز، نعيش على حدود صفيحتين: العربية من جهة الشرق، والإفريقية من جهة الغرب (تضم البحر المتوسط ومجمل القارة الإفريقية والسفوح الغربية لجبل لبنان). هذا الموقع الجيولوجي أدى إلى وقوع زلازل كبيرة تاريخياً. نتحدث، هنا، عن زلزال سنة 1202 على فالق اليمونة الذي يقطع لبنان من شماله الى جنوبه، وزلزال سنة 551 على فالق جبل لبنان. «ولدى احتساب متوسط الفترة الزمنية بين كل من الزلزالين يتبين أننا دخلنا الفترة الحرجة»، يقول عطا. ويجزم: «نتحدث عن زلزال بقوة 7 درجات ونصف درجة على مقياس ريختر».
زلزال كهذا مدمّر بكل المقاييس، في بلد كلبنان، تنهار مبانيه من دون حاجة إلى «مؤازرة» الهزات الأرضية. انهيار مبنى برج البراجنة أخيراً، وقبله مبنى فسوح في الأشرفية، لا يزالان ماثلين في الأذهان. هناك، غيرهما، مبان كثيرة آيلة للسقوط في بلد يشهد فوضى في البناء، وغياباً للتنظيم المدني. المدير العام لشركة «سكوتيك» للتدقيق الفني على المباني المهندس رولان معرّي يلفت إلى «واقع خطير» يتعلق بالمباني، خصوصاً تلك القائمة منذ ما قبل عام 1990 وتشكل نحو 50% من المباني في بيروت الإدارية. ويزيد: «بين 60 و75% من المباني القائمة غير مقاومة للزلازل. وفي حالة زلزال بقوة 7 درجات، ستسوّى جميعها بالأرض». علماً أنها تقع في مناطق مكتظة سكنياً، «وعليه، يمكن أن نتخيل حجم الخسائر البشرية»! المطلوب، وفق معري، البدء فوراً في إحصاء المباني المعرضة لخطر السقوط حتى من دون زلازل، وذلك عبر الاستعانة بجهاز هندسي لمسح هذه المباني وجدولتها ومباشرة تدعيمها وفق الأولويات.

خطط شكلية
الخطير أن هذا الخطر، رغم وضوحه، لا يعيه المسؤولون، وإذا وعوه فهم، كالعادة، عاجزون. فلا خطط استراتيجية لإدارة الكوارث. هذا ما يؤكده رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير الذي أشار إلى أن لا وجود لهيئة عليا لإدارة الكوارث الطبيعية حتى الآن: «هناك لجنة مصغرة في السراي الحكومي مؤلفة من ضابط ومديرين عامين تابعين لمختلف الوزارات، وكل وزارة لها مهمة في التعامل مع الكارثة وفق اختصاصها، لكن اللجنة غير فعّالة ولا مدير لها»!
الجهود، وفق مدير مركز إدارة مخاطر الكوارث فادي حمدان، «تنصبّ على الاستعداد للاستجابة للكارثة، وليس على العمل الوقائي للتخفيف من نتائجها قبل وقوعها». ويؤكد أن «غالبية البنى التحتية والمنشآت من الجسور والسدود ذات قابلية كبيرة للدمار والتصدع، ولا عمل حقيقياً للحؤول دون ذلك». يلفت حمدان إلى أن لبنان من دول حوض البحر المتوسط التي اشتركت في أنظمة الإنذار المبكر في حال وقوع «تسونامي»: «حسناً، وصل إنذار بوقوع تسونامي إلى المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس، فماذا سنفعل؟»، يسأل، ويجيب: «لا فكرة لدى أحد، ولا خطة عملية واضحة قابلة للتطبيق وتم التدرّب عليها مسبقاً للتصرف في مثل هذه الحالات».



لا تدعيم للمنشآت الاستراتيجية


حدد المرسوم 7964 الصادر في نيسان 2012 «التسارع الأفقي» الواجب اعتماده في تصميم المباني بـ 0.25 G (قوة الجاذبية)، ما يعطي قدرة على مقاومة زلزال بقوة 7 درجات، و«هذا مرسوم مقبول للمباني الجديدة» وفق المدير العام لشركة «سكوتيك» للتدقيق الفني على المباني المهندس رولان معرّي. لكن، هل تطبق المراسيم والقوانين؟ يجيب: «تُطبّق على المباني المنشأة حديثاً حيث التدقيق الفني إلزامي. وكان بدأ بالتدرج منذ كانون الثاني 2012 على المباني من ارتفاع 40 متراً وما فوق، وبدءاً من كانون الثاني 2014 على المباني ذات الحجم الوسطي، ومن كانون الثاني 2016 على المباني من ارتفاع 20 متراً». هذا يتعلق بالمباني الحديثة، أما القديمة فـ«يعطينا العافية». ويلفت معرّي إلى أن المرسوم تطرّق إلى ضرورة الكشف على المباني الإستراتيجية والحيوية وتدعيمها، مثل: ثكنات الدفاع المدني، المستشفيات، محطات تكرير المياه، خزانات المياه... «لكن لم يبدأ التدعيم حتى الآن».